كما للمشتاقين موعد يتزينون لأجله، يتزين سكان البلدة القديمة في غزة لأجل موعدهم مع رمضان، أحب الشهور عند المسلمين، فلموعد أهل هذا الحي مع رمضان طريقة خاصة في استقباله يتشاركون فيها ضمن مبادرة جماعية تعاونية سميت بـ"الحارة الملونة".
طلاء الجدران الخارجية لبعض الأحياء، بألوان ورسومات زاهية، وزراعة الأشتال والورود بين جنباتها، تُشعر الناظر وكأن فصل الربيع حط باكرا، وهي طريقة السكان المبتكرة للابتهاج.
وقال منير شبلاق، وهو من وجهاء البلدة القديمة في غزة، لـ"سكاي نيوز عربية": "كل الأفراد في الحارة تعاونوا في هذه المبادرة، حينما أخرج وأنظر للألوان والزينة والورود والنظافة، أشعر بسعادة كبيرة، لأنني لم أكن أرى هذه المظاهر من قبل".
ودعا شبلاق "جميع أحياء قطاع غزة"، إلى أن "تحذو حذو حيه".
أمام هذه اللوحة الفنية الجدارية حكاية أخرى للزينة مع الكادحين وراء رزق يسوقه شهر الخير لهم، فرمضان فرصة مثالية لعُلا، التي تنشغل مع استقباله في صناعة الفوانيس الرمضانية لمساعدة زوجها في تأمين احتياجات أطفالهما.
فعبر يوتيوب تعلمت علا أبو سليم مهارة صناعة الفوانيس باستخدام عيدان الخشب المخصصة للشواء، وتمضي ساعات طويلة من العمل اليدوي بعد نوم أطفالها ليلا، لصناعة الفرح للناس على هيئة فوانيس مضيئة باعت منها المئات لتجار غزة.
وقالت أبو سليم لـ"سكاي نيوز عربية: "أحب أن أنوع من أشكال الفوانيس التي أنتجها. من المهم أن أبرع في عملي لأن وضعي سيئ، إذ لدي أطفال لهم طلبات. كانوا في الماضي صغارا لكن الآن كبروا والحياة تفرض متطلباتها".
الزينة الرمضانية.. تجارة مربحة
يزداد إقبال المواطنين على شراء الزينة الرمضانية، مع نجاح التجار في استيراد أنواع كثيرة من الفوانيس وحبال الزينة المضيئة ومستلزمات الضيافة، التي أصبحت مطلبا ورغبة شعبية في غزة للتزين والابتهاج بحلول الشهر الفضيل.
وقال مالك محل لزينة رمضان، فادي عبد المجيد، لـ"سكاي نيوز عربية": "اعتاد الناس تزيين بيوتهم في رمضان، بالفوانيس والأحبال المضيئة. هناك فوانيس للأطفال والكبار أصبحت تدخل غزة، فالجميع يحتفل بهذا الشهر، حيث تجد الأهالي يدخلون الفرحة على أطفالهم بالفوانيس، فتكون أجواء داخل البيوت وخارج البيوت وفي الشوارع والفنادق".
وفي هذا الصدد، قالت الغزية فداء أبو نحل: "لابد أن تكون هذه الزينة موجودة في رمضان، لنشعر بالتغيير بأن هناك شيء جديد يحدث في حياتنا. بهذه المناسبة لابد للناس أن تزين بيوتها فتشعر بأن هناك أجواء فرح في الحارة وبين الشعب".
تبدو شوارع غزة في ليالي رمضان، برّاقة بأضواء الزينة والنجوم والأهلة المضيئة، فهذا العام شهد اهتماما وتنافسا بين أصحاب المحال التجارية لتزيين واجهات محالهم بهذه الطريقة، كأسلوب تسويقي فعال لجذب الزبائن، وإضفاء مشهد حضاري مبهج على مدينة غزة.
وقال خبير الاقتصاد والديكور، مراد الريس، لـ"سكاي نيوز عربية": "أؤمن بالناحية الاقتصادية لزينة رمضان، فهذه شطارة لأن التاجر البسيط كما يقال يغني لبضاعته، نفس الشيء بالنسبة لمظاهر الزينة هذه التي تعبر عن الجمال وإحساس الناس بالأمل، لجذب الزبائن".
وللمراكز التجارية الكبيرة في غزة نصيب وافر أيضا من زينة رمضان، بحكم مساحتها الخارجية والداخلية، ولكلٍ منها طريقة خاصة في التزيين بتصاميم متنوعة الأشكال والألوان، لإضفاء الشعور بمتعة التسوق لدى الزبائن خلال رمضان.
وقال مسؤول صالة في أحد المراكز التجارية، يدعى محمود علي: "يوجد أشياء كثيرة قمنا بها هنا، توحي للزبائن بأن هذا المكان هو بيتهم الثاني وليس مكانا للتسوق، إذ يمكن أن تأتي هنا للتنزه فقط".
وتابع: "شيدنا غرفة يشعر الزبون فيها أنه في بيته. الزينة داخل المول كانت جميلة وأحبها الأطفال جدا، إلى جانب الإضاءة الخارجية والفوانيس والألعاب، مثل (بوجي وطمطم) التي تعود بذكريات الكبار للزمن الماضي الجميل".
شوارع براقة
ثمة مظهر آخر لزينة رمضان تحلت به الميادين العامة في غزة، عبر تصاميم مضيئة، وهي سيلة دعائية اتبعتها الشركات الوطنية بالتعاون مع البلديات، مساهمة في دورها الاجتماعي.
طريقة لها تأثير خاص في إدخال البهجة على سكان القطاع، الذين وجدوا في هذه الميادين المضاءة متنفسا للالتقاط الصور التذكارية مع الأهل والأصدقاء، ومحفزا لهم في ليالي رمضان للخروج والتنزه وأكل الحلوى والاستمتاع.
وقالت المواطنة فرح السقا، لـ"سكاي نيوز عربية": "مجرد أن ترى هذه الزينة والإضاءة، تشجعك للخروج والتنزه في الشوارع والاستمتاع. تخيّل كل غرفة في البيت لابد أن تكون مزينة كما يرغب الأطفال الذين يطلبون ذلك ويخرجون لشراء الزينة، هذا يعني أن الناس في شوق للفرح والسعادة".
على النحو ذاته، تزينت الفنادق والمقاهي الشعبية على ساحل بحر غزة بأبهى الأضواء والمناظر، فعبر هذه الزينة الرمضانية المضيئة ينجذب عشاق السهر في ليالي رمضان لقضاء بعض الوقت في هذه الأماكن، التي تستقطب العائلات والشباب للسمر والترفيه.
وفي هذا الصدد، قال العامل في أحد المقاهي الشعبية، علي مقداد لـ"سكاي نيوز عربية": "الأجواء في قطاع غزة الليلية، تكون بها سهرات في المقاهي، حيث يجتمع الأهالي والأصدقاء لقضاء أجمل الليالي في رمضان".
هكذا يحب أهل غزة مدينتهم، مضاءة بالأمن والفرح في شهر رمضان، وبخير يهل عليهم طوال العام.