يشهد المغرب طفرة مهمة في الاكتشافات الأثرية والتاريخية، إذ أعلنت عدد من فرق البحث مؤخرا عن اكتشافات في عدد من المواقع تتوزع على مناطق مختلفة من البلاد، والتي تؤرّخ لمراحل مهمة من تاريخ المغرب والبشرية عموما.
وأعلن المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث في الشهرين الأخيرين عن اكتشافين أثريين، الأول يتعلق بمدفن في العرائش لشخصية بارزة في العهد الموري الأمازيغي تعود لأكثر من 2000 عام، والثاني يتمثّل في تحف أثرية ووثائق عبرية غاية في الأهمية اكتُشفت بمعبد يهودي في طاطا جنوب البلاد.
اكتشافات تعيد كتابة التاريخ
تفيد الاكتشافات الأثرية بكشف تفاصيل جديدة حول تطور المجموعات البشرية وأصولها، وتساهم في إعادة كتابة تاريخ المغرب وتعزيز تنوعه الثقافي.
وعن أهمية الاكتشافات، يقول مدير المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، عبد الجليل بوزوكار لموقع "سكاي نيوز عربية": "اكتشفت في المغرب أقدم بقايا عظمية للإنسان العاقل بجبل إيغود قرب مدينة آسفي (غرب) وتؤرخ بحوالي 300 ألف سنة، وأقدم آثار لعملية جراحية بمغارة تافوغالت قرب بركان (شرق) وتؤرخ بـ15 ألف سنة".
وأضاف بوزوكار أنه اكتشف أيضا "أقدم حلي في العالم بمغارة بيزمون بالصويرة (جنوب) وعمرها حوالي 150 ألف عام، وأقدم آثار لاستغلال شجر الأركان بنفس الموقع وبنفس القدم، ثم أكبر مُجمّع لتمليح السمك بالبحر الأبيض المتوسط بموقع ليكسوس بالعرائش (شمال)".
وأكد بوزوكار أن هذه الأمثلة من الاكتشافات وغيرها الكثير "تم التحقق من نتائجها من طرف باحثين متمرّسين، ونُشرت بمجلات علمية دولية"، مشددا على "أهمية ما تم اكتشافه بالمغرب في إعادة كتابة جزء من تاريخ البشرية".
فهم أصول وتطور الإنسان
أفاد الباحث في علم ما قبل التاريخ، ومحافظ ممتاز للآثار والمواقع، عبد الرحيم محب، أن "الاكتشافات الأثرية الأخيرة غيّرت النقاش العام حول أصل البشرية وتطورها، باعتبارها مرجعا لا محيد عنه لفهم الأصول وتطور الإنسان بشكل عام".
وأوضح محب، في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "هذه الاكتشافات تمكننا من فهم تطور البشرية، وفهم أشكال التنقل والهجرة عبر القارات، مع تتبع آثار الأصول، وملء فراغات في الفترات التاريخية".
وتابع محب قائلا إن الاكتشافات الأثرية على مستوى المملكة "أسفرت عن لقى أثرية وبيولوجية ومُتحجّرة للإنسان القديم والحيوانات، إضافة إلى لقى خزفية، ونقود، وحلي، ومخطوطات. وهي لقى كثيرة تتغير أشكالها بحسب الفترات التاريخية والمواقع".
ضرورة الترويج للمواقع الأثرية
تتطلب هذه الاكتشافات الأثرية ومواقعها، العمل على الترويج لها والتعريف بها بشكل واسع، إضافة إلى حماية هذه المواقع وللقى الأثرية كذلك.
وحول هذه النقطة، يذهب مدير المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، عبد الجليل بوزوكار، إلى أن ذلك يتم عبر "فتح المواقع والمباني التاريخية أمام الزوار، وهو ما يحدث في العديد من المدن التاريخية مثل الرباط ومراكش وفاس ومكناس وغيرها من المدن".
وبيّن بوزكوار أن "تثمين المواقع الأثرية يتم أيضا بشكل بالغ الأهمية من خلال تنشيط المواقع والمباني التاريخية عبر القيام بتظاهرات تراثية وفنية موجهة للعموم".
ومن جانبه، يرى الباحث في علم ما قبل التاريخ، ومحافظ ممتاز للآثار والمواقع، عبد الرحيم محب، أن "المغرب منخرط بشكل جدي وعملي في عملية حماية التراث بشكل كبير، خصوصا أن المملكة دخلت في اتفاقيات دولية لحماية التراث المادي واللامادي معا، بالإضافة إلى القانون الوطني 22.08 للمحافظة على المباني التاريخية والمناظر والكتابات المنقوشة والتحف الفنية".
كما تبذل "مجهودات في التدخل لحماية المواقع الأثرية والتراثية على المستوى المحلي، من خلال تعبيد الطرق نحوها وتسييج هذه المواقع"، وفق محب.