في أحد مراكز تعليم اللغة الإنجليزية في نواكشوط، يأتي جدو ولد سيدي، البالغ من العمر 37 عاما، إلى مقاعد الدراسة من جديد من أجل التعلم، وذلك بعد سنوات على تخرجه من جامعة نواكشوط العصرية.
بدأ جدو بعد تخرجه 2014، في تدريس المواد العلمية في مرحلة الإعدادية بإحدى المدارس الخصوصية في نواكشوط مؤقتا، لكن عدم حصوله على وظيفة رسمية، جعله يستمر في التدريس حتى 2021.
وفي أواخر العام 2022، قرر جدو أن يعود إلى مقاعد الدراسة من جديد، عبر تعلم اللغة الانجليزية، علها تفتح له آفاقا جديدة.
ويقول جدو لسكاي نيوز عربية: "حصلت على شهاد الليسانس في البيولوجيا 2014، وكنت وقتها أتحدث بلغة موليير (الفرنسية) بطلاقة، ومع ذلك لم تتح لي أي فرصة عمل، أو حتى تدريب."
وأضاف "حصلت خلال عام 2020 على إحدى الفرص، لكن استغلالها كان مرهونا بالتحدث بالإنجليزية، وتكرر الأمر ذاته 2021 (...) وقبل 3 أشهر، قررت اعتزال التدريس، لتعلم اللغة الانجليزية، حتى أكون مؤهلا لبعض الوظائف."
معظم أجيال القرن العشرين في موريتانيا، لم يتعلموا اللغة الانجليزية إلا بعد تجاوزهم أو اقترابهم من الثلاثين، بحسب بعض مراكز تعليم اللغات، لأن موريتانيا تعتمد في تدريس مناهجها، على لغتي العربية والفرنسية حتى مرحلة التعليم العالي، نتيجة لاستعمارها من فرنسا التي استقلت عنها 1960.
فيطي بنت سوري "29 عاما"، بدأت مؤخرا بتعلم الإنجليزية، رغم أنها موظفة تتقن الفرنسية، وذلك من أجل التطور، والترقية في العمل، بحسب حديثها لسكاي نيوز عربية.
وتقول فيطي: "أعمل محاسبة منذ سنوات، لكن جهلي للغة الانجليزية حرمني الكثير من الفرص، وحين تزورنا بعض البعثات الأجنبية، أعجز عن التواصل معها (...) الآن أذهب للعمل عند الثامنة صباحا، وحتى الخامسة مساء، وأذهب مباشرة من العمل إلى مركز تعليم اللغات، ولا أعود إلى المنزل إلا ليلا، أعلم أن ذلك متعب جدا، لكن لا خيار لدي."
لغة عمل
أغلب الشباب الذين تحدثت إليهم سكاي نيوز عربية، أوضحوا أنهم يتعلمون الإنجليزية، من أجل الولوج في سوق العمل، أو الحصول على بعض المنح الدولية، التي تشترط مستوى معينا منها.
صالج انجيه 20 عاما، يدرس تخصص اللغة الإسبانية في جامعة نواكشوط، وقد بدأ منذ 4 أشهر في تعلم الانجليزية، موضحا لسكاي نيوز عربية، أنه لا يريد أن يقع في خطأ الأجيال السابقة.
ويقول صالح: "أعرف الكثير من الشباب الذين تخرجوا قبلي، ومازالوا عاطلين عن العمل بسبب عدم تحدثهم بالإنجليزية، لذا قررت تعلمها في سن مبكرة، حتى أدخل سوق العمل مباشرة بعد تخرجي".
ومن الأسباب الرئيسية التي جعلتني أبدأ تعلمها، حين ضاعت على فرصة الاستفادة من منحة يابانية، كانت تشترط مستوى متوسطا على الأقل منها"، يوضح صالح.
مع الرغبة التي تجتاح الشباب الموريتاني في تعلم الانجليزية، انتشرت الكثير من مراكز تعليمها في نواكشوط، حيث قوبلت بإقبال كبير.
أمم محمد الهادي، مدير أحد فروع مركز خاص بتعليم الإنجليزية، تم افتتاحه 2009 بالعاصمة نواكشوط، يؤكد مدى تضاعف الإقبال بعد كل عام، ويشير في حديثه لسكاي نيوز عربية، إلى أن بعض خريجي مركزه، فتحوا مراكز خاصة بهم لتدريسها، لافتا إلى أن مركزه يوفر حاليا، قرابة 100 فرصة عمل.
ويقول أمم: "نسجل خلال كل شهرين (مدة الدورة) 600 طالب، والفئات الأكثر حضورا تتراوح أعمارها بين 17 إلى 25 عاما".
التحدث بأكثر من لغة، أو لغتين، أصبح الهدف الرئيسي للشباب، ونتيجة لذلك أصبحت بعض المراكز الخاصة، تدرس عدة لغات، لكن الإقبال الأكثر، يكون عادة على الإنجليزية.
وفي العاصمة الاقتصادية نواذيبو، يشهد أحد المراكز التي تدرس الفرسية والإنجليزية معا، إقبالا أكثر على تعلم الفرنسية خلال فترة الدراسة، وخاصة الطلاب الذين مازالوا في مرحلتي الإعدادية والثانوية، بحسب رئيس المركز الحسين عثمان.
ويوضح الحسين في حديثه لسكاي نيوز عربية، أن الإنجليزية تشهد إقبالا أكثر خلال العطلة الصيفية، ومع بداية العام الدراسي.
ويقول الحسين عثمان: "سجلنا خلال هذا العام، 2500 طالب، وتمثل النساء النسبة الأكبر".
مع التوجه الملحوظ نحو تعلم الانجليزية، ما زالت المناهج الدراسية في موريتانيا تعتمد على طريقتها القديمة، حيث تعتمد في مرحلة الابتدائية، على اللغتين الفرنسية والعربية، وفي مرحلة الإعدادية تدرس الإنجليزية كمادة ثانوية، وسط مطالب باعتمادها لغة أساسية في جميع مراحل التعليم.