بهندام بسيط، يستعد الناشط عبد الناصر بيب للخروج، وهو يرتدي سترة سوداء، وبنطالا أسودا، وحذاء رياضيا، لحضور حفل زفاف محلي بكل المقاييس لأحد أصدقائه.
مظهر لم تعهده المناسبات الاجتماعية في موريتانيا، التي تشكل دائما فرصة للتباهي والظهور بنوعية الدراعة "زي تقليدي" بالنسبة للشباب، وخاصة أصدقاء العريس.
لم ينسلخ عبد الناصر من هويته وثقافته، ولم يبد في حديثه لسكاي نيوز عربية، أي عداوة تجاه "الدراعة"، مشددا في الوقت ذاته على أنها غير ملائمة للعمل.
ويقول عبد الناصر:" أنا كمواطن موريتاني أعتز جداً وأفتخر بالدراعة "زي تقليدي" والتي هي جزء من ثقافتنا وهويتنا في موريتانيا، لكن من وجهة نظري الدراعة لا تناساب العمل، لذلك لا ألبسها إلا أثناء الزيارات العائلية.
ويضيف عبد الناصر: "لا أعتقد أننا في موريتانيا سنتخلى عن الدراعة أبدا، أو على الأقل على المدى القريب، فنحن بطبيعتنا مجتمع محافظ ويعتز كثيرا بهويته وثقافته".
وبخصوص مظهره غير المألوف في المناسبات الاجتماعية، أكد عبد الناصر لسكاي نيوز عربية، أنه معتز بهذا المظهر، مشيرا إلى أن بعض أصدقائه لم يدعوه لحفلات زفافهم، تفاديا للإحراج من هندامه الذي حضر به عدة مناسبات.
كل المؤشرات التي يظهرها الشارع الموريتاني، تستبعد انقراض زي "الدراعة" التقليدي، فرغم التحولات التي يفرضها العصر، مازالت الدراعة حاضرة في كل مشهد، حتى أثناء أوقات الدوام في بعض القطاعات الحكومية، وفي القطاع الخاص، وسط توجه خجول، لمحاربة ذلك.
في أحد المحلات التجارية بسوق "لكبيد" في نواكشوط، يجلس المصطفى ولد سيدي أمام محله الخاص ببيع الملابس الرجالية، وهو يرتدي "دراعة" من النوع الذي لايتجاوز سعره 7 آلاف أوقية.
بهذا المظهر يعمل ولد سيدي كل يوم منذ سنوات في هذا المحل، موضحا لموقع سكاي نيوز عربية، مدى ارتباطه بهذا الزي التقليدي، الذي يرتديه في كل إطلالة له.
ويقول ولد سيدي: "أرتدي الدراعة أثناء النوم، والعمل، والاستجمام، وفي كل مكان مهما كانت المناسبة، ولايمكنني بأي حال من الأحوال أن أتخلى عنها.. وأكثر ما أبيع في هذا المحل الذي يحتوي على أنواع الملابس، هو زي الدراعة".
مع بداية العام الدراسي الجديد، أصدرت وزارة التهذيب الوطني وإصلاح النظام التعليمي، قرارا يقضي بمنع ارتداء "الدراعة"، أثناء التدريس في المدارس العمومية، مشددة على ضرورة التقيد بهذا الإجراء.
وأثار القرار وقتها ضجة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، كما حدث 2015، حين أصدرت الوزارة ذات القرار.
الصوفي ولد عاشور من المعلمين الذين كانوا يدرسون بـ"الدراعة"، وحين صدر تعميم الوزارة الأخير، بدأ في التكيف مع مقتضيات القرار الذي لم يلق ترحيبا لدى الأسرة التربوية الموريتانية.
ويقول الصوفي لسكاي نيوز عربية: "كنت أدرس بالدراعة، ولا مشكلة لدي في ذلك ، لكن بعد قرار الوزارة، أصبحت أتكيف مع التدريس بالبذلات، والأزياء الأخرى، ووجدت في ذلك انسيابية وراحة أكثر. لكن الدراعة تبقى محافظة على مكانتها لدى الموريتانيين، لأنها رمز ثقافي وتراثي ضارب في الأصالة."
ويصعب التخلي عن الدراعة التي عرفها الموريتانيون حوالي النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي، في القريب العاجل أو الأمد البعيد، نظرا لتمسكهم وارتباطهم بهذا الزي الإفريقي الأصل، ومع ذلك، بدأ البعض لا يرتديها إلا في أوقات خاصة على غرار الإعلامي عبد الله علي.
ويقول عبد الله لسكاي نيوز عربية: "الدراعة غير مناسبة للعمل نهائيا، وغير ملائمة للأماكان العامة كالأسواق التي يطبعها الإزدحام.. أرتدي هذا الزي التقليدي فقط، في المناسبات الاجتماعية، وأثناء الخروج مع أصدقائي، أو زيارات العائلة."
ولاتعتبر الدراعة زيا تقليديا موحدا للموريتانيين، وذلك لأن البلد متعدد الشرائح، والثقافات، ونتيجة ذلك، تتميز كل شريحة بزيها التقليدي الخاص، وإن كانت أزياء الشرائح تتفق في بعض الأحيان شكليا، إلا أنها تختلف في نواحي أخرى.