نتيجة الظروف الاقتصادية والمعيشية القاسية، التي يمر بها إقليم كردستان العراق، منذ أكثر من 10 أعوام، يضطرّ كثير من الشباب الجامعيين لاستثمار مواهبهم في مجالات مختلفة، إلى جانب الدراسة.
فلم يمنع حب الرسم، الطالب، داركو إدريس، من التفوق في دراسته، حتى حقق طموح والديه، في الانضمام لكلية الطب في جامعة السليمانية.
لكن شغفه برسم اللوحات والأزياء بأشكال لافتة، صقل موهبته تدريجياً، ودفعه لاقتحام عالم تصميم الأزياء النسائية، حتى أضحى في غضون فترة وجيزة أحد أشهر مصممي الأزياء على مستوى إقليم كردستان العراق.
وقال دراكو: صحيح أن التوفيق بين الدراسة في كلية الطب، وممارسة مهنة دقيقة مثل الخياطة، أمر عسير للغاية، لكن التخطيط اليومي السليم وجدولة الأوقات، هو سر نجاحي في تحقيق التوازن بين العمل والدراسة.
وأضاف: أعتقد جازماً أنني سأختار بعد التخرج، سبيل المضي في طريق تطوير موهبتي في تصميم الأزياء، لأنني أحلم في تحقيق شهرة عالمية.
ويعزو داركو جنوح الكثير من الشباب الخريجين، نحو مزاولة مهن، بعيدة كل البعد عن تخصصاتهم الأكاديمية، إلى ما يسميه بالخلل في النظام التربوي.
ويرى أن المشكلة تكمنُ في أن ما يرسم مصائر الطلبة ومستقبلهم، هو مساراتُ امتحانات الثانوية العامة، وليس الاستثمارُ في مواهبهم وتحقيق طموحاتهم.
ولعل ذلك كان الدافع الأقوى الذي حث، فتيات مثل رنا سمعان الحاصلة على شهادة جامعية في علوم الحاسوب والرياضيات، على توظيف موهبتها في تصميم الأزياء النسائية، وتحقيق حلمها في تسجيل ماركة تجارية تحمل اسمها.
وقالت سمعان: كانت عندي هواية منذ الابتدائية، واكتشفتها في المرحلة المتوسطة وبديت اشتغل عليها، وأطور نفسي في التصميم والخياطة، بالتوازي مع دراستي الجامعية التي لم تمنعن من تطوير موهبتي.
وأضافت: الكليات الطبية والهندسة، كليات صعبة، لذلك أرى بأن الطالب في هذه الكليات لن يكون قادرا على تحقيق الموازنة بين الدراسة والموهبة في آن معاً، التوازن بين الموهبة والدراسة لا يؤثر على المستوى العلمي لدى الطلبة، فهو من يحقق هدفه سيكون انساناً طموحاً.
ويبدو أن الجيل الجديد من الشباب الجامعيين، لاسيما اصحاب المواهب، مقتنع بان تنمية قدراتهم في مجالات العمل المختلفة، ربما بات السبيل الاجدى لمواجهة انعدام فرص العمل، بعد إنهاء الدراسة الجامعية.
تجربة ممارسة الأعمال الحرة، بموازاة الدراسة الجامعية، صارتْ على ما يبدو، أسلوباً أو نمطاً شائعاً في أوساط الطلبة، الذين يصف بعضهم هذه الحالة، بالتغيير الحاصل في تفكير غالبية الشباب.
وقالت مديرة المراكز الثقافية في السليمانية، شادية حسن: أمر جيد أن يبحث الشباب دوماً، عن مورد معيشي مستقل لهم، لأن ذلك سيمكّنهم من خدمة مجتمعهم على نحو الأفضل، إضافة إلى تمكينهم من إكمال دراساتهم الاكاديمية، لهذا نقيم باستمرار دورات تدريبية للشباب في مختلف المجالات، بغية تنمية قدراتهم، لكننا لن نشجع الطلبة إطلاقاً على ترك مقاعد الدراسة والتفرغ للعمل.
وفي ظل غياب خطط مدروسة، لاستثمار وتوظيف طاقات الشباب ومواهبهم، وتوجيهها بالاتجاه الصائب، فإن تحقيقَ التنمية والنهضة العلمية والاقتصادية في إقليم كردستان العراق، قد يبقى هدفاً بعيد المنال في المرحلة الراهنة.