يتكرر مشهد انتشار الكلاب الضالة في عدد من المدن المغربية، بشكل يقلق ساكنة بعض الأحياء. وما يزيد الطينة بلة، أن بعضها غير مُلقح ولم يخضع للتعقيم، وهو ما يهدد سلامة شريحة واسعة من المواطنين.
وأعادت حادثة تعرض الفنانة المغربية فاطمة هراندي المعروفة بلقب "راوية" لهجوم من طرف كلب ضال بأحد أحياء العاصمة الرباط، إشكالية مخاطر كلاب الشوارع إلى الواجهة.
وكشفت راوية، في تصريحات صحفية، أن "العضة تركت لها آثار جروحا على مستوى العضد الأيمن"، موضحة أن "الكلب ينتمي لصنف الكلاب الخطيرة".
وأبرزت الفنانة التي نجت بأعجوبة أنها "ليست أول حادثة بالحي الذي تقطن فيه"، وأن "هذا الحي يعرف تواجد عدد كبير من هذه الكلاب التي تهدد أرواح المواطنين".
نقاش تحت قبة البرلمان
نبه نواب برلمانيون إلى تنامي ظاهرة انتشار الكلاب الضالة في مدن مغربية، محذرين من خطرها على المارة.
ووجه النائب البرلماني الأمين البقالي الطاهري، عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (مُعارَضة)، سؤالا كتابيا لوزارة الداخلية، حول موضوع "اكتساح الكلاب الضالة لأحياء مدينة سلا (شمال غرب)"، حيث اعتبر النائب أن المدينة تشهد منذ أشهر انتشارا كبيرا ومقلقا لهذا الصنف من الحيوانات.
واستنكر المتحدث ما أسماه غيابا تاما لتدخل المصالح الجماعية، خاصة تلك المسؤولة عن حفظ الصحة التابعة لمجلس المدينة، حيث باتت هذه الظاهرة تشكل تهديدا حقيقيا ويوميا للساكنة.
وتابع الطاهري: "أمام استغراب الساكنة لتجاهل السلطات للخطر الذي يحذق بأطفال ومواطني الأحياء التي تنتشر بها تلك الكلاب الضالة، أسائلكم السيد الوزير المحترم ما هي الإجراءات التي ستتخذ للحد من انتشار الكلاب الضالة بالمدينة، لحماية حياة المواطنات والمواطنين من خطرها؟".
منع القتل
يُقدّر عدد الكلاب الضالة في المغرب بحوالي 3 ملايين، حسب أرقام كشفت عنها جمعية "أدان" للدفاع عن الحيوانات والطبيعة. وكشف تقرير رسمي يعود لسنة 2019، أن أزيد من 140 ألف كلب تجمعها سنويا المكاتب الجماعية لحفظ الصحة.
وكانت وزارة الداخلية منذ سنتين، منعت قتل الكلاب بالرصاص أو السم، حيث وجهت دورية إلى رؤساء الجماعات الترابية، تمنعهم من استعمال الأسلحة النارية والمواد السامة لقتل الكلاب الضالة، وتحثهم على الاستعانة بوسائل بديلة للحد من ظاهرة الكلاب الضالة، نظرا لخطورة هذه المواد، وتجاوبا مع انتقادات مجموعة من المنظمات الوطنية والدولية المهتمة بحماية الحيوانات.
وفي سنة 2019، وقعت وزارة الداخلية اتفاقيات تعاون مع الهيئة الوطنية للأطباء البياطرة من أجل محاربة الكلاب الضالة، عن طريق إخصائها للحد من تكاثرها.
إلا أن تنامي انتشار الكلاب الضالة ووقوع حوادث بين الفينة الأخرى، جعل مواطنين يتساءلون عن نجاعة قرارات السلطات والإجراءات المُتخذة للحد من تكاثرها بشكل عشوائي ولحماية المواطنين.
حلول مُبتكَرة
تقترح زينب العراقي، رئيسة فرع جمعية "أدان" للدفاع عن الحيوان والطبيعة، جهة الدار البيضاء سطات، مجموعة من الحلول، على رأسها آلية الحد من ظاهرة الكلاب الضالة، وفق النظام الدولي المتعارف عليه باسم TNR.
وبحسب الخبيرة في مجال حماية الحيوانات، فإن هذه المقاربة تقوم على جمع الكلاب الضالة في مراكز معالجة مؤقتة لإخصاء الذكور، وتعقيم الإناث واستشفائها، وأخيرا إطلاقها في بيئاتها الطبيعية في أطراف المدن.
وشددت العراقي، في حديث مع "سكاي نيوز عربية"، على أن هذه الحيوانات تستحق حياة كريمة مثلها مثل البشر، مؤكدة على عدم اتفاقها مع أسلوب جمع الكلاب في الملاجئ، لأن كل حالة تحتاج تتبعا خاصا، وتكديسها في مكان واحد قد يجعلها تتناحر وتعيش في حالة دائمة من الرعب ونقص الاهتمام.
وفي معرض حديثها، أكدت العراقي التي تشغل أيضا منصب رئيسة ومؤسسة الجمعية المغربية للعلاج بمرافقة الحيوان، على أهمية إشراك المواطنين عن طريق التوعية، لأن كل مقاربة للحد من انتشار الكلاب الضالة وحمايتها تبقى ناقصة بدون إشراك فعلي للمواطنين.
واستطردت المتحدثة قائلة: "حماية الكلاب ومنع تكاثرها بشكل عشوائي يمر من عدة مراحل؛ هي التكوين والتربية والتأطير وتوعية المواطنين، ثم يأتي بعد ذلك تلقيح الكلاب والتعقيم".
وأضافت أن "مقاربة TNR تبقى أفضل آلية مُجربة إلى حدود اليوم، لأنها تُشرك المواطن الذي هو الفاعل الأساسي في حماية الكلاب، بعد تحييد خطرها ومعالجتها، بدل قتلها".
تجدر الإشارة إلى أن مُعظم حالات الإصابة بالسعار في المغرب تسببت فيها كلاب ضالة، ناهيك عن حالات نهش أعضاء تصل إلى الوفاة.
وحسب معطيات وزارة الصحة، فقد سجل المغرب 414 إصابة بالسعار ما بين سنتي 2000 و2020، بمعدل 20 حالة في السنة، من بينها 180 حالة لدى أطفال أقل من 15 سنة.
هذه الحالات تسببت فيها الكلاب بنسبة 88 في المئة، والقطط بنسبة 6 في المئة، ونادرا ما تتسبب فيها حيوانات أخرى.
وقد تمكن المغرب من خفض عدد حالات الوفيات بالسعار من 34 حالة سنة 1985 إلى تسع حالات سنة 2020.