على غرار العديد من الشباب القاطنين في مدن داخلية معظمها يشهد حرارة مفرطة في مثل هذه الفترة من السنة، ينتظر يوسف بلقايد، ابن مدينة مراكش المغربية، بفارغ الصبر حلول موعد العطلة الصيفية للسفر رفقة أسرته الصغيرة إلى إحدى المدن المطلة على المتوسط أو المحيط الأطلسي.
يقول يوسف وهو رب أسرة مكونة من ثلاثة أفراد: "اخترت قضاء عطلتي هذه السنة في مدينة المضيق شمالي المملكة، إنه مكان مثالي للراحة والاسترخاء والاستمتاع بالشواطئ الجميلة والطبيعة الخلابة".
ويضيف لـ"سكاي نسوز عربية": "رغم أن سومة كراء الشقق المفروشة خلال هذه الفترة من السنة تشهد ارتفاعا ملحوظا بسبب تزايد الطلب عليها والإقبال على الوجهات الساحلية، إلا أن ذلك لن يثنيني عن التوجه إلى المضيق للاستمتاع بأجواء هذه المدينة الساحرة والمدن المجاورة لها مثل الفنيدق ومارتيل".
وتشهد مختلف المدن الساحلية في المغرب توافد عدد كبير من السياح الداخلين والمغتربين مع حلول موسم الصيف خصوصا خلال شهري يوليو وأغسطس، حيث يصاحب ذلك حركية تنعكس على كل مناحي الحياة.
ويترقب المتتبعون للشأن السياحي موسما استثنائيا في المدن الساحلية هذه السنة بعد أن تخلص المغاربة من القيود التي فرضها فيروس كورونا، وكذلك تزامنا مع موجة الحر الشديدة التي يشهدها جزء كبير من المملكة هذه السنة، حيث بلغت 46 درجة مئوية في بعض المناطق.
ويتوفر المغرب، الذي يعتبر وجهة مفضلة لعشاق الشواطئ والرياضات البحرية، على واجهتين بحريتين ممتدتين على طول 3500 كيلومتر، وتطلان على البحر الأبيض المتوسط شمالا والمحيط الأطلسي غربا.
الوجهة المفضلة لمعظم المغاربة
يعتقد يوسف ابن مدينة مراكش أن تغيير الأجواء يساهم في كسر الروتين اليومي، وأن اختيار وجهات ساحلية يعد أمرا مهما بالنسبة لساكنة المدن الداخلية التي تشهد حرارة مفرطة هذه السنة.
بدورها، تخطط أسية (مهاجرة مغربية قاطنة بفرنسا) لتمضية عطلتها الصيفية بمدينة الوليدية الواقعة غرب المملكة، والتي تمتاز بشواطئها الجميلة، وتلقب بعاصمة إنتاج المحار في المغرب.
تقول أسية إنه "رغم الاكتظاظ الكبير الذي يطغى على هذه المدينة الصغيرة، والذي يطال بحارها وأسواقها وشوارعها خلال الصيف، فإن الأجواء فيها تكتسي طابعا خاصا يتميز عن أي مكان آخر".
وتمنت المهاجرة المغربية لو تواجد أفراد عائلتها معها في رحلتها إلى هذه المدينة الساحرة لقضاء أوقات ممتعة صحبتهم خصوصا بعد الفترة العصيبة التي اجتازوها جراء تفشي فيروس كورونا وما رافق ذلك من إجراءات احترازية منعتهم من التنقل والسفر لمعانقة الوطن الأم.
إقبال على المدن السياحية
ويضم المغرب عددا مهما من الشواطئ التي تعرف إقبالا خلال الفترة الصيفية سواء من طرف السياح الداخلين أو الأجانب، بينها شواطئ الشمال مثل بليونش أو الشرق مثل السعيدية أو في غرب البلاد كشاطئ الوليدية أو جنوب المملكة كشاطئ تغازوت أو سواحل مدينة الداخلة.
يقول علي القادري، رئيس الجميعة الجهوية للصناعة الفندقية بجهة طنجة تطوان الحسيمة (شمال)، إن الإقبال على المدن الساحلية لا يمثل ظاهرة جديدة، حيث يفضل جزء كبير من المغاربة هذه الوجهة لما تتوفر عليه من مميزات يفتقدونها في الوجهات الداخلية وفي مقدمتها الاستمتاع بأجواء الشاطئ.
ويؤكد القادري لـ"سكاي نيوز عربية" أن المغرب يتوفر على موقع استراتيجي وعلى مؤهلات مهمة في مجال السياحة الساحلية، مسجلا اتساع ثقافة السفر خلال السنوات الأخيرة بين مختلف الطبقات الاجتماعية في المملكة.
ويشدد المتحدث على ضرورة العمل على مواكبة التطور الذي تشهده صناعة الترفيه والتنشيط في المناطق الساحلية، معتبرا أن تطوير هذا النوع من السياحة سيمكن من تعزيز القطاع السياحي بالمملكة والذي يساهم في تشغيل يد عاملة مهمة وفي تنشيط قطاعات اقتصادية أخرى.
من جانبه، يؤكد محمد ركيب، الصحفي المتخصص في قطاع السياحة، أن "المدن الشاطئية تعتبر الوجهة المفضلة بالنسبة للعديد من المغاربة خلال الصيف، وخاصة الذين يقطنون في مناطق داخلية تتميز بطقس حار وجاف، حيث يفضل العديد من المراكشيين على سبيل المثال قضاء إجازتهم بمدينة الجديدة الساحلية بعيدا عن حرارة المدينة الحمراء".
ولاحظ ركيب تزايد الإقبال على المدن الساحلية منذ عطلة عيد الأضحى، بسبب الارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة هذا العام مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية.
وإلى جانب أجواء البحر، يلفت ركيب في تصريح لـ"سكاي نيوز عربية"، إلى ما تزخر به العديد من هذه الوجهات من معالم سياحية وتاريخية واحتضانها لأنشطة فنية وثقافية، تحظى بإقبال يضاهي الإقبال على الشواطئ، مما ينعكس إيجابا على السياحة الداخلية وعلى الترويج الاقتصادي لهذه المدن.
تشجيع السياحة الساحلية
ويشدد عدد من الخبراء في المجال السياحي على ضرورة توفير الفنادق والمنتجعات السياحية لعروض خاصة هذه السنة من أجل تشجيع الإقبال على السياحة عموما والشاطئية على الخصوص، ولكي يستجيب العرض لطلب الأسر، خاصة من الطبقة المتوسطة.
يرى الصحفي المتخصص في السياحة محمد ركيب، أن العمل يجب أن ينصب على توفير عروض خاصة وإعداد برامج وأنشطة ترفيهية مخصصة للأطفال والكبار ليس فقط خلال موسم الصيف، بل طيلة أيام السنة، حتى لا تعود هذه المدن إلى الركود خلال ما تبقى من الموسم.
كما يدعو ركيب إلى تشديد الرقابة في ما يتعلق بتحديد أسعار الفنادق والخدمات المقدمة للسياح والتصدي للسلوكيات غير المقبولة والتي تضر بالسياحة الوطنية، وترخي بظلالها على الموسم السياحي برمته.
في المقابل، يعتبر المتحدث أن البنيات التحية قد شهدت تطورا ملحوظا وقفزة نوعية خصوص بمدن الشمال، وهو ما ساهم في استيعاب الأعداد المتزايدة من السياح سواء المحليين أو الأجانب، وقد نجح المكتب الوطني للسياحة (المسؤول عن الترويج لوجهة المغرب) في وضع استراتيجية استطاع من خلالها الترويج للسياحة الداخلية وتشجيعها خلال السنوات الاخيرة.
وكانت فاطمة الزهراء عمور، وزيرة السياحة المغربية، قد أكدت على أهمية السياحة الداخلية، التي تساهم في تشغيل اليد العاملة، وإنعاش عدد كبير من القطاعات الإقتصادية.
وأبرزت الوزيرة، التي كانت تتحدث بمجلس المستشارين (الغرفة الثانية)، أن 50 في المئة من السياح المغاربة يفضلون السياحة الشاطئية، ويهتم 72 في المئة بأثمنة الخدمات السياحية، مشيرة إلى أن الوزارة تعمل على إنشاء منتجعات سياحية تتلاءم مع القدرات الشرائية للسياح المغاربة وتأخد بعين الاعتبار المنتوج والأسعار.