أكثر ما يلفت انتباه الزائر الجديد لمدن إفريقية مثل العاصمة الأوغندية كمبالا أو الكينية نيروبي أو مدينة كانو النيجيرية أو غيرها من مدن بلدان شرق وغرب إفريقيا، هو الاصطفاف الكثيف للدراجات النارية في المواقف والأماكن العامة وحتى أمام الفنادق الراقية؛ لكن بالنسبة للسكان هو أمر طبيعي إذ تشكل الدراجات النارية "بودا بودا" 70 بالمئة من وسائل نقل الركاب وتعتبر وسيلة الأجرة الأرخص والأسرع.
ويعود سبب إطلاق تسمية "بودا بودا" على الدراجات النارية، التي تعمل في مجال نقل الركاب، إلى بداية ظهورها في سبعينيات القرن الماضي، حيث كان أصحاب الدراجات ينادون على المسافرين "بوردا بوردا" أي إلى الحدود. ومنذ ذلك الوقت استخدمت الدراجات النارية كوسيلة لتهريب المسافرين من بلد إلى آخر دون الحاجة للمرور عبر النقاط الحدودية.
ومع استمرار النمو السكاني والاقتصادي في معظم بلدان شرق وغرب إفريقيا وتنامي الحاجة إلى السرعة والكفاءة في النقل والحاجة لزيادة الدخل؛ انتشر استخدام الدراجات النارية لنقل الركاب داخل المدن، لكن رغما عن ذلك لم يتغير اسم البودا البودا وأصبح شائعا بين المستخدمين لوسيلة النقل تلك التي يفضلها الفقراء وحتى متوسطي الدخل على التاكسي أو الحافلة.
يقول عاموس قايد، وهو مواطن أوغندي يبلغ من العمر 75 عاما من بلدة بوسيا الحدودية، في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية": "كان الناس ينادون الركاب بالإنجليزية -بوردا بوردا- أي إلى الحدود؛ ومن هنا أتت التسمية. وإضافة إلى نقل الركاب تستخدم الدراجات النارية بشكل واسع في تهريب البضائع والسلع عبر الحدود دون المرور بنقاط الجمارك".
وتعتبر الدراجات النارية وسيلة نقل مربحة بالنسبة للكثير من الشباب في البلدان الإفريقية وأسهمت بشكل واسع في تقليص معدلات البطالة.
ويبدي الشاب إيدي، الذي يعمل أكثر من 12 ساعة يوميا في نقل الركاب بين أحياء ومناطق العاصمة الكينية نيروبي، رضاه عن الدخل اليومي الذي تدره له دراجته؛ ويقول لموقع "سكاي نيوز عربية": "أبدأ عملي عند السادسة صباحا وأنقل العمال والموظفين إلى أماكن عملهم مقابل أجرة للفرد تقل عن نصف دولار لكن في نهاية الأمر تكون المحصلة كبيرة لأن المسافة التي تقطعها الدراجة النارية في 15 دقيقة تحتاج سيارات الأجرة ضعفها أو أكثر بسبب ازدحام الطرق والإشارات المرورية وعدم قدرتها على أخذ طرق بديلة ضيقة أو وعرة".
وبسبب انتشار استخدام الدراجات النارية في النقل العام؛ تنتعش مبيعات الشركات العالمية الكبرى المنتجة لتلك الدراجات وخصوصا الشركات اليابانية والكورية والصينية والهندية. وأصبح قطاع النقل عبر الدراجات النارية من القطاعات المربحة لشركات التأمين وشركات قطع الغيار والزيوت والوقود وحتى شركات الزينة.
في المقابل، يقول مختصون إن الاستخدام الكثيف للدراجات النارية داخل المدن بشكل تهديدا بيئيا حقيقيا بسبب كثرة الانبعاثات الكربونية. كما يعتبر مهددا للتنمية الريفية، إذ جذب الدخل العالي نسبيا في القطاع العديد من شباب الريف، الذين كانوا يعملون في الزراعة والمهن الإنتاجية الأخرى، الهجرة إلى المدن والعمل كسائقي دراجات أجرة.
وتسجل يوغندا ما يصل لنحو 35 ألف حادث مروري لدراجات نارية سنويا، وفقا لما يُظهره التقرير السنوي للجريمة والمرور لقوة الشرطة الأوغندية للعام 2019. ويقول مسؤولون في مستشفى مولاغو المرجعي في العاصمة الأوغندية كمبالا إن أغلب المصابين في حوادث مرورية هم من ركاب الدراجات النارية.
لكن وعلى الرغم من العقبات والمحاولات المستمرة من قبل بعض أعضاء البرلمان الأوغندي لتمرير تشريع يمنع استخدام الدراجات النارية في نقل الركاب بالأجرة داخل المدن، إلا أن القطاع يمضي في النمو ويستفيد من التطبيقات الرقمية الحديثة في مجال النقل.
وخلال السنوات الأخيرة، انتعشت أعمال الشركات التقنية التي تستثمر في تطبيقات النقل عبر الدراجات النارية. ودخلت شركات عملاقة مثل "أوبر" للاستفادة من الإقبال الشعبي الكبير على استخدام الدراجات النارية كوسيلة نقل مفصلة.
ويشير ديريك كاتوشابي، مسؤول العلاقات العامة في "سيف بودا" وهي أكبر شركة تعمل في مجال تطبيقات النقل عبر الدراجات النارية، إلى المزايا العديدة التي توفرها التطبيقات لمستخدمي الدراجات النارية وعلى رأسها الأمان حيث يتضمن التطبيق اسم سائق دراجة الأجرة وعناوينه وأرقام هواتفه، مما يقلل من احتمالات الجريمة.
ويقول كاتوشابي لموقع "سكاي نيوز عربية" إن شركته تختار السائقين الذين تعمل معهم بعناية شديدة وتقوم بتدريبهم في أكاديمية متخصصة قبل اعتمادهم.