في أحد شوارع بيروت، تقف بائعة البرتقال والليمون لطيفة أحمد بكل جرأة خلف عربة خشبية، تدفعها بيديها القويتين من مفترق بعيد إلى موقع تشعر أنه مناسب لجلب الزبائن.
وفي زمن تعتبر به مهنة بيع الخضار والفواكه على عربة دفع باليدين حكرا على الرجال، اختارت لطيفة كسر هذه القاعدة واخترقت عالما "ذكوريا" لتتخطى صعوبات الحياة.
ويبدو أن الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان دفعت النساء إلى ميدان العمل في مهن قاسية، سعيا وراء الرزق الذي لم يعد الوصول له سهلا ميسرا.
تنادي لطيفة على الفواكه بصوت عال بين مباني بيروت، علها تجد من يشتري منها قبل غروب الشمس، حتى تعود بما يجود به الرزق.
وتقول لطيفة لموقع "سكاي نيوز عربية": "ما من معيل لي في ظروفي الحالية، فأنا مطلقة وكان لا بد لي من التفتيش عن عمل. أعمل على هذه العربة وأدفع إيجارها لصاحبها من غلة البيع خلال النهار وحتى مغيب الشمس، حيث أعود إلى منزلي لأستريح من عناء العمل".
وتسكن لطيفة أحد الأحياء الشعبية على أطراف بيروت قرب سوق للخضار، وهو حي صبرا الذي تتزود منه بالفاكهة والخضار يوميا قبل شروق الشمس.
وأضافت: "أقصد سوق الخضار والفاكهة في صبرا صباحا لشراء الكمية المناسبة التي أستطيع بيعها خلال النهار، وأنتقي البضاعة ذات السعر المتوسط كي أضمن أن أبيعها خلال النهار، ولا أعود إلى منزلي إلا بعد بيع كل الكمية التي اشتريتها صباحا".
وتقول لطيفة بأسى: "الحياة صارت صعبة، وعليّ تأمين معيشتي فأنا لا معيل لي والأسعار نار في هذه الأيام، وعليّ أيضا تأمين الخبز ولوازم الطبخ مما يتيسر لي".
وعن حالتها الاجتماعية تتابع: "أنا منفصلة منذ زمن وقد اعتدت على تحمل المسؤولية وإعالة نفسي. قد أكون غير راضية على وضعي الحالي لكن ليس لي خيار آخر".
واعتادت لطيفة رصد انتقادات صامتة من المجتمع حولها، كونها تعمل بمهنة تبدو "ذكورية" بامتياز في منطقتنا، لكن ذلك لا يثنيها عن المضي قدما في عملها الذي يعد مصدر دخلها الوحيد.
وتستطرد: "في بعض الأحيان أرى نظرات الاستغراب من المارة خاصة النساء"، لكن "في المقابل أرى أيضا نظرات التشجيع من كثيرين من الجنسين الذين يبادرون إلى الشراء مني. الناس لم يعتادوا على مشهد سيدة تدفع عربة خضار أو فواكه في الطريق".
وتضيف: "في بداية الأمر كنت مترددة بعض الشيء، لكن للضرورة أحكام وهذه مهنة شريفة وأنا لا أنتظر المساعدة. باستطاعتي العمل ولست عاجزة عن القيام بعمل منتج يؤمن لي معيشتي ولو بشكل بسيط".
وتقول لطيفة إن عادات الناس تغيرت مع ارتفاع الأسعار في لبنان، وتختم حديثها قائلة: "بات العديد من الزبائن يشترون كميات أقل من الفواكه والخضار، والبعض يساوم على الأسعار وهو معذور، فالأسعار ترتفع باستمرار، وعلى المواطن أن يفتش عن المواد التي في متناول يده ليعود بها إلى المنزل ويطعم منها أبناءه وأهله".