يشهد شهر رمضان المقبل تراجعا للسياسة في الأعمال الفنية في الجزائر، وذلك بحسب ما تعكسه خريطة البرامج التي يراهن صناعها أكثر على الدراما الاجتماعية.
وبعد أن صنع التلفزيون الجزائري السنة الماضية الحدث بعرضه لسلسلة "عاشور العاشور" للمخرج جعفر قاسم، وسط جدل سياسي رافقه حديث عن تعرض العمل لمقص الرقيب، اتجهت الخريطة الرمضانية عام 2022، بحسب ما رصده موقع "سكاي نيوز عربية"، إلى الدراما الاجتماعية، بينما اهتمت الكوميديا بالحنين إلى الماضي والعادات والتقاليد.
وتتضمن خريطة الأعمال الرمضانية الجزائرية هذه السنة، عودة اثنين من أبرز المسلسلات الاجتماعية التي أحبها الجمهور في أجزائها الأولى، وهما مسلسل "يما" للمخرج التونسي مديح بلعيد، و"بنت البلاد" للمخرج محمود وحساس.
ويعرض التلفزيون الجزائري 4 مسلسلات جديدة ذات طابعي اجتماعي وتاريخي، هي "عندما تجرحنا الأيام" للمخرج عمار سي فوضيل، و"أنين الأرض" للمخرج مسعود لعايب، و"عين الجنة" للمخرج كريم موساوي، و"لعبة خطيرة" للمخرجة فاطمة وزان.
خوف من الرقابة
وتتجه الأعمال الرمضانية الجزائرية نحو مزيد من التركيز على القضايا التي تهتم بالعادات والتقاليد، وتسلط الضوء أكثر على الظواهر الجديدة التي برزت في المجتمع.
ويرى المخرج الفني عبد القادر جريو الذي ذاع صيته في السنوات الأخيرة مع سلسلة "جرنان القوسطو"، التي كانت بمثابة طفرة في مجال الكوميديا السياسية الرمضانية الجريئة، أن الابتعاد عن المواضيع ذات الطابع السياسي اليوم لا يعني الخوف من الرقابة بقدر ما يعني البحث عن الجديد.
وقال جريو لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن الجمهور بات يشعر بأن هناك جرعة زائدة من الأعمال ذات الطابع السياسي في السنوات الأخيرة.
وفي مقابل ذلك، يبدو أن هناك رغبة كبيرة في الجزائر نحو صناعة الدراما الاجتماعية، على غرار ما يحدث في مصر والخليج.
وحول التوجه للدراما الاجتماعية، أكد السيناريست الجزائري سمير زيان الذي شارك في كتابة سلسلة "عاشور العاشر"، أن المنتجين لا يريدون المغامرة في المواضيع التي تحمل طابعا سياسيا.
وأوضح زيان لموقع "سكاي نيوز عربية": "أصبحت المواضيع السياسية تثير مخاوف المنتجين ولا تشجع المعلنين لتموليها، وذلك خوفا من تأويل الرسائل الفنية".
وفي مقابل ذلك، لا يزال هناك حيز محجوز للأعمال الكوميدية منخفضة التكلفة وواسعة الانتشار خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مع تنويع المواضيع، إذ تسجل الخريطة الرمضانية عودة بعض الأعمال الأكثر مشاهدة في المواسم الأولى لها مثل سلسلة "في التسعين" للمخرج عبد القادر جريو و"المفتش الطاهر في هولندا" للمخرج يحي مزاحم، وهي شخصيات فكاهية ذاع صيتها في تسعينيات القرن الماضي.
ويفسر المخرج الجزائري وليد بوشباح اختياره لقصة "ماينا" الفكاهية ذات الطابع التاريخي والسياحي التي تهتم بالطبيعة الصحراوية الجزائرية، لأهمية الكوميديا في معالجة تلك المواضيع الحساسة.
وأشار بوشباح في حديث لموقع "سكاي نيو عربية" إلى أن سلسلة "ماينا"، هي تحقيق بوليسي علمي بشكل كوميدي تم تصويرها في الصحراء، تهدف إلى التحذير من انتشار عصابات قتل الحيوانات النادرة التي تعيش في الصحراء الجزائرية، على غرار الغزال والفنك، من أجل بيع جلودها.
شركات رهن قانون الإعلام
ومنذ تأسيس سلطة ضبط السمعي البصري عام 2016، أصدرت الأخيرة عدة بيانات تحذير وأوقفت برامج خلال عرضها في رمضان، بسبب مضمونها الذي اعتبر مخالفا للقانون.
وبتوقيف السلسلة الفكاهية "دار العجب" العام الماضي، بدأت شركات الإنتاج في الجزائر تشعر بالأمان أكثر في حضن الكوميديا الاجتماعية، في انتظار نهاية الجدل حول قانون الإعلام الجديد الذي لا يزال يراوح مكانه منذ عام 2012.
ومؤخرا رفض الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، مجددا، مسودة قانون الإعلام الذي تقدمت به الحكومة، ودعا الخبراء لإثرائه وإجراء تعديلات أعمق عليه قبل دخوله حيز التنفيذ.
ويؤكد أستاذ الإعلام بجامعة "الجزائر 3" عبد الله زاووي، أن "الضبابية في القوانين هي أكثر ما يخيف المنتجين اليوم".
ويوضح زاووي في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية": "لا يمكن قراءة المشهد الرمضاني بعيدا عن قانون الإعلام، وهناك إجماع على أن المنتجين والمخرجين على حد السواء أصبحوا يخافون من المواضيع الفكاهية ذات الطابع السياسي، ويفضلون إنتاج الأعمال الاجتماعية وقصص الأسرة".