"أن تضيء شمعة مرة خير لك من أن تلعن الظلام مئة مرة".. قول مأثور يعتمده الناشط البيئي جورج السكاف، الذي يحمل إلى مجتمعه البيروتي واللبناني بشكل عام بصيص أمل، وإيمان بهذا الوطن الذي يعاني الصعوبات الاقتصادية.
جورج السكاف رجل أربعيني محب للبيئة البحرية منذ صغره، يعمل في مشروعه الخاص في قطاع الأقمشة والأثاث والهندسة المنزلية الداخلية. ومنذ سنوات دأب على المشاركة في العديد من النشاطات البيئية مع جمعية "غرين بيس" العالمية في لبنان، مما زاد حبه للبيئة، والبحرية منها على وجه الخصوص.
وفي العام الماضي، نفذ السكاف فكرة بيئية رائدة، عندما شكّل فريقا صغيرا مؤلفا من عدة أشخاص لتنظيف الشاطئ الصخري المقابل لصخرة الروشة الطبيعية، أحد أبرز معالم بيروت، بمبادرة فردية وبمساعدة بعض الأصدقاء، وبأدوات ومعدات تنظيف بسيطة.
ثم ما لبث أن تطور المشروع بعد فترة، ونال الدعم من مالكي العقارات المقابلة وأهالي المنطقة المواجهة للبحر، وبعض الجمعيات المحلية.
وبالتالي، تمكن السكاف من تطوير الفكرة ليكون فريق عمل موسعا من 30 شخصا، صاروا يشنون كل سبت، حملة تنظيف لشواطئ بيروت، بدءا من صخرة الروشة باتجاه ميناء الصيادين شمالا في عين المريسة.
ويجمع هؤلاء قوارير المياه البلاستيكية والزجاجية الفارغة، لتسلم إلى جمعيات بيئية تعيد تدويرها واستخدامها في الصناعة.
دعم معنوي
وعن مبادرته البيئية، قال السكاف لموقع "سكاي نيوز عربية": "لاحظنا كجيران للشاطئ منذ سنين أن شركات النظافة المتعاقدة مع بلدية بيروت لا تنظف صخور الشاطئ ولا الشاطئ نفسه، مدعية أن ذلك ليس من مهامها بحسب العقود الموقعة معها".
وتابع: "من هنا صار الاعتماد على نشاط فريقنا في تنظيف الصخور البحرية مقابل رصيف المشاة، ونال الفريق دعما معنويا كبيرا من رواد الكورنيش من الرياضيين والمتنزهين، وتطوع البعض منهم في المساعدة المادية والمشاركة في المبادرة".
وكشف أن كلفة مشروعه الرائد تجاوزت 10 آلاف دولار خلال عام 2021، جمعها من مساهمات رواد الكورنيش وبعض الجمعيات المحلية الصغيرة وتجار المنطقة، تمكن من خلالها من تنظيم أكثر من 28 حملة لتنظيف للشاطئ.
ولاحظ الرجل أن هذه الحملات الأسبوعية صارت تمنع البعض من رمي المخلفات على الشاطئ، بعد أن صار نظيفا ويخضع لـ"مراقبة معنوية" ليس لها سلطة الإجبار.
وأضاف: "صرنا نراقب ونسمع تشجيعا من ممارسي الرياضة والمتنزهين على الكورنيش ومرتادي الشاطئ، الذين كانوا يبدون انزعاجهم الشديد من تراكم المخلفات بالقرب منهم".
مغاور الروشة
كما تحدث السكاف عن مشاريعه المستقبلية، ففي بداية الربيع سيبدأ حملة لتنظيف لبعض المغاور أسفل صخرة الروشة على الشاطئ الصخري بالاستعانة بالزوارق، حيث تجمع التيارات البحرية الآلاف من قطع المخلفات التي تؤذي الأسماك والبيئة البحرية، مع الاستعانة بغطاسين لتنظيف قاع البحر القريب، ليعود موطنا للأسماك التي هجرته منذ سنين.
ومن أحلام السكاف أيضا توسيع الحملة، بعد تأمين الدعم لتنظيف بعض مجاري الأنهار والأودية وقمم الجبال التي تختزن الثلوج وتغذي الخزانات الجوفية، في خطوة لمحاربة تلوث الثروة المائية وخلق بيئة نظيفة تشجع السياح وهواة تسلق الجبال على ممارسة هواياتهم، بالإضافة إلى البيئة البحرية التي يعشقها منذ الطفولة.
ووجه السكاف "رسالة محبة" لمرتادي الكورنيش والشاطئ في العاصمة، قائلا: "هذا بحركم ومتنفسكم، وهو بيتكم الثاني، فحافظوا على نظافته"، مطالبا بلدية بيروت بتركيز بعض رجال الشرطة للمحافظة على نظافة الكورنيش الأجمل في لبنان.
ووظف الرجل نفسه وبضعة أشخاص على نفقته الخاصة، للمحافظة على نظافة واجهة بيروت البحرية، ومنع تراكم المخلفات على صخور البحر المقابلة الذي من شأنه أن يشوه جمالها.
وختم السكاف حديثه بالقول: "الحملة مستمرة أسبوعيا في صباح كل يوم سبت، وصارت تشمل بعض الأحياء القريبة من البحر مثل شارع الحمرا والأشرفية نزولا على طلب بعض الأهالي من الأحياء المجاورة".