بعد تجربة إعمار وتأهيل شارع المتنبي وسط العاصمة بغداد، سرَّعت الحكومة العراقية من وتيرة مشروع إعمار وتأهيل المواقع التراثية، بينما يشكل دخول القطاع الخاص على الخط، دفعة إضافية لإنجاز المشروعات بسرعة قياسية.
وقبل أيام افتُتح شارع المتنبي في بغداد، المشهور بمكتباته، بعد إعادة ترميم خضع لها، تتيح لهذا الشريان الحيوي في العاصمة العراقية استعادة بعض من مجده السابق.
ويعجُّ الشارع عادةً أيام الجمعة بالرواد، لا سيما الطلاب والشباب، وكذلك فنانو ومثقفو الجيل السابق.
وأطلق على الشارع التاريخي في العام 1932 خلال عهد الملك فيصل الأول اسم الشاعر الشهير أبو الطيب المتنبي (915 - 965)، الذي ولد في عهد الدولة العباسية.
إشراك القطاع الخاص
ورأى خبراء اقتصاديون أن مشاركة القطاع الخاص، مثل المصارف الأهلية، وكذلك الجهات المستقلة، مثل البنك المركزي، ساهمت بتسريع وتيرة الأعمال؛ لتحرر تلك الجهات عن الإجراءات الروتينية المعقدة، ما يفتح آفاقًا أكبر لاستكمال المشروع الكبير.
وفي هذا الإطار، قال المدير التنفيذي لرابطة المصارف العراقية، علي طارق: إن "تأهيل شارع المتنبي جاء بتمويل ودعم البنك المركزي العراقي، ورابطة المصارف الخاصة، من خلال صندوق تمكين للمبادرات المجتمعية، الذي تموله المصارف الخاصة، وبإشراف من قبل أمانة بغداد".
وأضاف طارق في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية" أن "الأعمال الهندسية والإنشائية تضمنت إزالة التشوه البصري، مع تجديد جميع البنايات والأرضية، وتوحيد واجهات المحال، والقطع الإعلانية والبسطات، بالإضافة إلى جعل الكهرباء تحت الأرض، وتجهيز الشارع بالإنارة الحديثة"، لافتا إلى أن "جميع الأعمال التي أدارتها الدائرة الهندسية للصندوق، حافظت على هوية الشارع دون المساس بتراثه العريق أو الشكل المعماري للمباني".
ولم يكن شارع المتنبي وحده ضمن هذا المسار الذي أطلقته حكومة الكاظمي، بالتعاون مع القطاع الخاص، حيث أعلن أمين العاصمة بغداد، المعمار علاء معن، شمول شارع المتنبي، وهو من أقدم شوارع العاصمة، ضمن حملة "نهضة بغداد".
وقال معن في تصريحات صحفية: "مشروع نهضة بغداد مستمر بتقديم مشاريع حيوية للبنى التحتية، وتطوير شوارع وأحياء العاصمة إلى جانب صناعة الجمال، عبر أعمال فنية إبداعية يشترك بتنفيذها أساتذة وأكاديميون ومبدعون كبار من الوسط الفني".
ودعا أمين بغداد "المثقفين والفنانين للمشاركة في إنضاج الأفكار وتطويرها في مشروع تأهيل شارع الرشيد، الذي تستعد أمانة بغداد للمباشرة به وتحويله لمشهد جديد يضاهي زقاق المتنبي".
شارع الرشيد
وشارع الرشيد من أقدم وأشهر شوارع بغداد، ويحوي عددا من المساجد والمواقع الأثرية، مثل جامع "الحيدرخانة" الذي شيدهُ داود باشا عام 1819م، وجامع مرجان، وجامع سيد سلطان علي، كما يحوي أسواقًا قديمة مشهورة منها سوق هرج، وسوق السراي.
ومع مجيء رئيس الحكومة الحالية مصطفى الكاظمي، في مايو من العام الماضي، أطلق حملة "نهضة بغداد"؛ بهدف إعمار مناطق العاصمة، والمواقع الأثرية المهمة.
وتأمل الأوساط الثقافية العراقية، من تلك الحملة، إظهار وجه بغداد الحقيقي، بعد سنوات من الإهمال، والانشغال بتحسين الأوضاع الأمنية، حيث لاقت حملة شارع المتنبي، إشادات واسعة من قِبَل مسؤولين ومعنيين في الشأن الثقافي.
كما طالبت تلك الأوساط بوضع خريطة طريق لكل المواقع المهمة في مدينة بغداد، والتي بحاجة إلى إعادة تأهيل وترميم، ووضعها أمام الجهات المختصة، مثل أمانة بغداد، بالإضافة إلى البنك المركزي ورابطة المصارف العراقية، حيث تبنَّت سابقًا عدة حملات مشابهة.
وأكد أحمد العلياوي، المتحدث باسم وزارة الثقافة العراقية، أن "تأهيل تلك المواقع يعني الكثير لبغداد، ونحن بحاجة إلى تأهيل شوارعها ذات الطابع الثقافي والتراثي، فضلاً عن الساحات والمناطق التي تزخر بالذاكرة العراقية الثقافية والتاريخية".
وأشار المسؤول العراقي، خلال حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، إلى أن "تلك المنجزات تحسب لجهات متعددة شاركت فيها، وهي تمثل منطلقا جديدًا لتشجيع الجوانب الثقافية، واستعادة نشاطها".
ولفت إلى أن "هناك تراجعا ملحوظا في العالم فيما يتعلق بمسألة التواصل مع الكتاب، بسبب شيوع مواقع التواصل التي أضعفت علاقة الإنسان بالكتاب، لكن مثل تلك الشوارع المؤهلة، يمكن أن تزيد من تلك العلاقة".