لم تمر ذكرى ميلاد الأديب المصري نجيب محفوظ بهدوء هذا العام، حيث جاءت مليئة بالغضب الذي سيطر على قطاعات واسعة من المثقفين في مصر.
الغضب العارم جاء إثر قيام إحدى دور النشر بالإعلان عن "تنقيح ومراجعة" أعمال الأديب المصري الحاصل على جائزة نوبل في الأدب؛ مما أدى إلى إثارة حالة من الجدل.
البداية
موجة الغضب بدأت بإعلان "دار ديوان للنشر"، أنها نجحت في الحصول على حقوق نشر أعمال الأديب الراحل لمدة 15 عاما، وأنها تنوي "إعادة إحياء تراث نجيب محفوظ، وتقديم أعماله المنقّحة والمُراجعة بأحدث تقنيات النشر الورقي والرقمي والصوتي".
إعلان اعتبره المثقفون رغبة من دار النشر في التدخل بأعمال "أديب نوبل"، الذي طالما تعرض في حياته لتدخلات رقابية، كان أشهرها منع نشر روايته الشهيرة "أولاد حارتنا" التي صدرت لأول مرة في بيروت عام 1962، وتم منعها في مصر حتى خرجت إلى النور عام 2006.
وأبدى عدد كبير من المثقفين تخوفهم من نوايا دار النشر تجاه أعمال محفوظ. وأشار الروائي سمير المنزلاوي، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، إلى موقف سابق شبيه، حين قامت إحدى دور النشر المعروفة التي كانت تمتلك حق نشر روايات محفوظ، بنشر رواية "عبث الأقدار" بعنوان جديد هو "عجائب الأقدار".
وتابع الروائي المصري قائلا: "عندما أُثير اللغط حول هذا التصرف غير المقبول، والذي يصل إلى حد السطو والتزييف.. علقت دار النشر بعذر أقبح من الذنب، فقالت إنها طبعة مبسطة للأطفال، ومن ثم غيرت العنوان ليلائم من وُجهت لهم الطبعة".
وأشار المنزلاوي إلى أن أعمال الكاتب الإنجليزي وليام شكسبير، "ترقم بالأسطر خوفا من التحريف أو الحذف"، وتابع: "نجيب محفوظ حالة مصرية، لا بد من المحافظة عليها بكل ما فيها، ويبقى النقد والمراجعة حلا لتلك الإشكالية، أما التبديل والعبث فلا يجوز".
"نص كالكائن الحي"
من جانبه، رفض الشاعر والناقد شعبان يوسف، التدخل في كتابات الأديب العالمي الراحل، والتعديل والحذف والاختصار، قائلا: "روائي وكاتب استثنائي مثل محفوظ كان يعرف ماذا يكتب، والنص الروائي أو القصصي يشبه الكائن الحي، فأي استئصال لفقرة أو فصل أو حتى جملة، يشبه استئصال عضو حي من كائن بشري".
وأكد في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "أي حذف أو تعديل سيؤثر بشكل عميق على المعنى الذي كان يريد أن يرسله محفوظ للقارئ، وبالتالي سيؤثر ذلك بالسلب على الجماليات التي يبثها في نصوصه السردية بشكل عام".
وأضاف يوسف: "عملية التنقيح والتعديل حدثت كثيرا في تاريخ النصوص الأدبية، فمثلا عندما صدرت رواية (تلك الرائحة) لصنع الله إبراهيم، هاجمها كُتاب محافظون، وتم حذف الجزء الذي تم الاعتراض عليه، ثم تم نشرها كاملة في مطلع الثمانينيات، وكذلك رواية (الرجل الذي فقد ظله)، إذ تم حذف 250 صفحة عند نشرها في الستينيات، ثم عادت الصفحات المحذوفة مرة أخرى في التسعينيات".
شروط التعديل
في تلك الزاوية، أكدت أستاذة النقد الأدبي، أماني فؤاد، أن "دور النشر الجادة عادة ما تتدخل مع الكاتب -وفي حياته- في كثير من الفنيات فيما يتعلق بالغلاف، وضبط اللغة، وبعض الصياغات اللغوية، وضبط إيقاع بعض الشطط في الأفكار التي قد تصدم ما يطلق عليه ثوابت المجتمع".
واستطردت خلال حديثها لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن التعديلات في الروايات "تعد مدخلا لتقييد الإبداعات في أنواع شتى، لكنها مداولات تحدث عادة بين الكاتب في حياته ودار النشر".
وأشارت أستاذة النقد الأدبي إلى أن "الروائي الكولومبي ماركيز، صرح سابقا أن الدار التي نشر بها رواية (مئة عام من العزلة) اقترحت حذف أكثر من 100 صفحة من المسودة الأصلية، ووافق على الاقتراح، وظلت هذه الرواية من الروايات الأجمل والأهم".
أما فيما يتعلق بتدخل دور النشر في شيء من إبداعات مؤلف رحل عن عالمنا، "فهذا أمر لا يمكن قبوله"، وفق فؤاد.
وقالت: "التدخل يكون فقط في تلك الحالة مقتصرا على ضبط بعض الأخطاء النحوية والإملائية في الطبعات السابقة للنص، وإخراج العمل في صورة أكثر رصانة، وجودة نشر".
وتابعت: "التعديلات التي تتم في هذه المعايير التي تم ذكرها لا مانع منها، دون المساس بالمحتوى لا بالحذف أو التغيير في أي شيء، وأيضا بإشراف من وزارة الثقافة كما أعلنت الوزيرة، خاصة لو أن هذا الإخراج الجديد والضبط اللغوي لأعمال أهم كتّاب السرد العربي وصاحب نوبل نجيب محفوظ".
وفي سياق موجة الرفض، قال مدير "دار روافد للنشر"، إسلام عبد المعطي، إن "العرف السائد في الوسط الثقافي هو عدم التدخل من جانب دار النشر في أعمال كاتب رحل عن الحياة بأي شكل".
وتابع لموقع "سكاي نيوز عربية": "أما ما يتعلق بحالة أعمال محفوظ، فالجميع يعرف أن هناك تدخلات قد تمت على أعماله خلال السنوات الماضية.. وما أعلنت عنه دار (ديوان) للنشر هو أنها ستشكل لجنة لمراجعة الأعمال لغويا، وهذا مقبول ولا خلاف عليه".
"ديوان" تعلق
من وجهة النظر الأخرى، علقت دار ديوان للنشر على حالة الجدل التي أثيرت حول نيتها إدخال تعديلات على عدد من أعمال محفوظ، إذ صرحت المديرة التنفيذية للدار، أمل محمود، بأن الهدف هو "استرداد النصوص الأصلية التي حدثت بها أخطاء، وتم إصدارها في طبعات مختلفة على مر السنين الماضية".
وأضافت لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "الدار تهتم بإصدار طبعاتها الجديدة خالية من أي حذف أو تغيير حدث في الطبعات السابقة".
كما أكدت أن الدار "ستقوم بكل ما يلزم لمراجعة جميع الطبعات التي صدرت لأعمال الأديب المصري، ومطابقتها تحت إشراف لجنة من النقاد والمتخصصين، بحيث تتوصل لأدق وأكمل صورة تطابق ما كتبه الأديب العالمي".
وتابعت: "كما يعرف جميع المتخصصين والمهتمين بأعمال الأديب العالمي، فقد صدرت أعماله في طبعات متعددة في أزمنة مختلفة، منها ما صدر في مجلدات الأعمال الكاملة، ومنها ما صدر في كتب منفصلة أو في حلقات في الصحف المصرية، ومن المعروف أن ثمة اختلافات بين الطبعات نتجت عن الحذف الذي تم لاعتبارات كانت موجودة آنذاك ولم تعد كذلك".
وأشارت محمود إلى أن دار النشر "تعمل حاليا على تشكيل لجنة من كبار النقاد والباحثين والمتخصصين في أدب محفوظ، بحيث تشرف على العمل الخاص بمراجعة ومطابقة الطبعات المختلفة التي صدرت والوصول لأدق نسخة مطابقة لما خطَّه محفوظ بيده".
وأكدت أن تلك اللجنة ستكون لها "الصلاحية الكاملة في اعتماد المحتوى النهائي والمطابقة والتدقيق"، منوهة إلى أنه من المقرر أن تبدأ تلك العملية خلال الأسبوع المقبل.
واستطردت: "تم الاستقرار بشكل نهائي على تشكيل اللجنة، والحصول على الموافقات من جميع الأعضاء، وسيكون للجنة صلاحية تحديد طريقة عملها والمدة اللازمة للانتهاء منه".
ويعد محفوظ من أشهر الأدباء في التاريخ المصري الحديث. وقد ولد في 11 ديسمبر 1911، وهو أول أديب عربي حائز على جائزة نوبل في الأدب، وتدور معظم أعماله عن الشارع المصري في تلك الفترة. ومن أشهر أعمال الراحل: الثلاثية، أولاد حارتنا، كفاح طيبة، زقاق المدق، والكرنك.
وتوفي الأديب المصري في 29 أغسطس 2006، عن عمر ناهز 95 عاما.