لم يتأخر رد السلطات المصرية على تصريح رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، في قمة تغيُّر المناخ "كوب 26"، بشأن غرق مدينة الإسكندرية، حيث أوضحت كافة إجراءاتها لمواجهة تغيُّر المناخ وتأثيره على الشواطئ الساحلية.
وفي 29 نوفمبر الماضي، اجتمع الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، مع المسؤولين المعنيين لمناقشة الإجراءات التي تتخذها الدولة لحماية الشواطئ امتدادًا من منطقة أبو قير إلى الساحل الشمالي الغربي.
الإسكندرية
وتواصل موقع "سكاي نيوز عربيّة" مع مسؤول الهيئة المصرية العامة لحماية الشواطئ للتعرُّف أكثر على تفاصيل الإجراءات التي تتخذها مصر لحماية شواطئها الساحلية.
وقال رئيس الهيئة المصرية العامّة لحماية الشواطئ، المهندس أحمد عبد القادر، إنّ الهيئة تنفذ العديد من المشاريع، والتي تأتي على رأسها مشروعات ضخمة بمدينة الإسكندرية.
وتابع: "المشروع الأول بالإسكندرية عبارة عن تطوير الأحواض السمكية الأثرية المُلحقة بقصر المنتزه، وفي غرب المدينة يتم تنفيذ مشروع يبدأ بمنطقة بير مسعود، وحتى منطقة المحروسة، عبارة عن حواجز أمواج غاطسة لحماية هذه المناطق".
ويشير عبد القادر إلى أنّه "تم الانتهاء من مشروع لحماية الساحل بمنطقة المنشية التي كانت مهددة جدًا، وتفكّر المحافظة حاليًّا باستغلال هذا الجزء من خلال إنشاء منشآت خفيفة كالكافتيريات والمطاعم".
ويضيف: "أمَّا في الجزء الغربي من ساحل الإسكندرية؛ فإنَّه يتم تنفيذ مشروع ضخم جدًا لحمايتها من الانهيار من خلال وضع الحواجز الغاطسة داخل مياه البحر في محيط القلعة وإنشاء لسان سياحي جديد"، مشيرًا إلى أنّ نسبة التنفيذ به وصلت لـ90 بالمئة وعلى وشك الانتهاء.
الحاجز واللسان
وكشف عبد القادر عن تنفيذ مشروعات أخرى بمدينة مرسى مطروح السياحية وتحديدًا مشروعين في منطقة شاطئ الأُبيِّض غربي المدينة عبارة عن خمس ألسنة بحرية.
واستطرد قائلًا: "مشروعات أخرى في مدينة المنصورة الجديدة، ومنطقة بورسعيد، وعديد من المشروعات في الساحل الخاص بمدينة كفر الشيخ بمشروع صديق للبيئة مُموَّل من مشروع التكيُّف المناخي".
ويشير إلى أنّ "مشروع التكيُّف المناخي يدرس حاليًا كامل ساحل البحر المتوسط بدءًا برفح شرقًا وحتى السلوم غربًا، لتنفيذ مشروعات للتكيُّف مع التغيُّرات المناخية".
وأوضح أنَّ الحاجز الغاطس الهدف منه تجديد المياه داخل المنطقة المحصورة بين الحاجز والشاطئ، مشيرًا إلى أنّه لا يحجب الرؤية والاستمتاع بالمنظر الطبيعي للبحر.
ويردف: "على العكس من الميناء الذي لا يصلح معه الحاجز الغاطس، لذلك يجب أن يكون الحاجز أعلى من منسوب المياه، وهدفه أن تكون المياه داخل الحاجز هادئة، ولا تكون السفن في وضع الخطر مع دخولها للميناء".
أمَّا عن أهميّة اللسان الغربي؛ فقال إنّ الألسنة يتم تنفيذها في بعض الأماكن على حسب دراسة التيارات البحرية، وترسُّبات الرمال، وتتم دراسة تجاه اللسان، والانحراف الخاص به، ورأس اللسان أيضًا، والهدف منها هو الحماية.
وعن الفرق بين اللسان الغربي والحاجز الغاطس، قال: "الأول يكون من عمق البحر من الداخل وحتى الشاطئ، أمَّا الثاني فلا يتطلّب الاتصال بالشاطئ".
وواصل حديثه قائلًا: "الحفاظ على الشواطئ يتم أيضًا من خلال نهج التغذية بالرمال"، مفسّرًا هذا النهج بالقول: "قبل إنشاء السد العالي، ومع حدوث الفيضان تأتي المياه من أعالي النيل مُحمّلة ببعض الرمال، ومع وصول المياه لمصب فرعي النيل دمياط ورشيد تبدأ هذه الرمال في الاصطدام بمياه البحر فتُرسّب طبيعيًا وتُشكِّل حماية طبيعية".
ويشير إلى أنَّ هذا النهج (نهج التغذية بالرمال) لتعويض ما كانت تفعله الطبيعة، فعلى سبيل المثال إذا كان البحر ينحر الشاطئ من 3 لـ 4 أمتار خلال 5 سنوات، تتم تغذية هذه المنطقة بالرمال لإحداث التوازن البيئي.
بحيرة الملاحة
أمَّا استشاري التغيُّرات المناخية، عضو الهيئة الدولية لتغير المناخ، الدكتور سمير طنطاوي، فيوضح أنَّ الدراسات الحديثة بشأن التغيرات المناخية وارتفاع مستوى سطح البحر وعوامل النحر ستعمل على تآكل ما يقرب من 14 بالمئة من شواطئ العالم بحلول عام 2050، وقد تصل هذه النسبة لـ25 بالمئة بنهاية القرن الحالي ما لم يتم اتخاذ تدابير عاجلة للتكيف مع هذه الآثار السلبية.
ويضيف في تصريحات خاصّة لموقع "سكاي نيوز عربية": "تتمتع مصر بشواطئ يزيد طولها عن 3500 كيلومترًا، ونتيجة لتوقُّف تدفق المواد الرسوبية مع سريان نهر النيل أثناء الفيضان وكذلك ارتفاع منسوب سطح البحر نتيجة التغيرات المناخية أدى ذلك لزيادة معدلات النحر بسواحل مصر الشمالية والتي أدت لتراجع خط الشاطئ".
ويتحدث عن المشروعات التي تنفذّها مصر حاليّا، قائلًا: "يتم تنفيذ مشروع لحماية الشريط الساحلي لبحيرة الملاحة شرق تفريعة قناة السويس بطول 4.5 كيلومتر من إجمالي 16 كيلومتر، بتكلفة 40 مليون جنيه".
ويتابع: "كانت بحيرة الملاحة جزء ضمن بحيرة المنزلة قبل إنشاء قناة السويس وهي متصلة بالبحر المتوسط ببوغازين عند الكيلو 2 والكيلو 16، إلا أن حالات البوغازين سيئة لوجود أطماء بهما وعدم انسياب مياه البحر للبحيرة، وتنحصر الأعمال الهندسية للمشروع في المنطقة الواقعة بين البوغازين مع إنشاء بوغاز جديد بينهما وذلك بهدف حماية الشريط من عوامل النحر التي يتعرض لها والتي أدت لقطع الشريط الساحلي مما تسبب فقدان البحيرة للكثير من ثروتها السمكية".
مسطروة
ويضيف: "تم حاليا تنفيذ مشروع تكيُّف دلتا نهر النيل للتغيرات المناخية وارتفاع سطح البحر بأسلوب الإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية من خلال تطبيق مشروعات تجريبية لاختيار أفضل الطرق العلمية والعملية الصديقة للبيئة على مدار سنة ونصف كسعف النخيل والبوص ومصائد الرمال الخشبية بفعل انتقال الرسوبيات بالرياح لما لها من تكاليف منخفضة جدًا بالمقارنة بحمايات الكتل الخرسانية".
واستطرد: "وقد تم اختيار منطقة مسطروة 71 والتي تبعد 30 كم شرق مدينة رشيد و29 كم غرب ميناء البرلس، حيث تتميز أراضيها بأنها منبسطة منخفضة المنسوب بالنسبة لمتوسط سطح البحر مما يتيح إمكانية اختبار ملائمة لنظام الجسور الترابية بشكل أفضل".
وأوضح أنّه "تم اختبار ثلاثة تصميمات لجسر رملي بهدف صد مياه أمواج البحر أثناء النوات، ويشغل الحيز الطولي لكل تصميم نحو 250 م مع مسافة بينية بطول 150 م ويشمل النموذج وحدات على شكل أنبوب ضخم من مادة مقاومة للعوامل الجويّة بعرض 4 م وطول يتراوح بين 15 لـ 30 م ويتم ملؤها بالرمال لمنع انجراف النموذج عند تعرضه للمياه خلال فترة النوات على أن يتم تغطية تلك الوحدات بطبقة من ناتج تكريك بوغاز بحيرة البرلس (طبقة طينية) لضمان ثبات أكبر ثم طبقة من صخور الدولامايت بحيث يكون الارتفاع النهائي للجسر 3 م من متوسط منسوب سطح البحر، ويتم تثبيت الرمال عليه باستخدام زراعة نباتات من نفس النوع المتواجد بالمنطقة (نباتات صحراوية) بحيث تعمل جذور النباتات على تثبيت التربة".
وعن كيفية التكيَّف مع الآثار السلبية للتغيرات المناخية للحد من مخاطرها على المناطق الساحلية؛ قال إنّه تم إعداد إطار عمل يشمل خطة وطنية للتعامل مع تآكل الشواطئ بفعل الآثار السلبية للتغيرات المناخية واحتمالات ارتفاع مستوي سطح البحر وذلك من خلال مبدأ التعايش مع البحر كتقنية جديدة باستخدام وسائل حماية غير تقليدية وصديقة للبيئة مثل استخدام ناتج تكريك البواغيز، وقنوات الاقتراب للموانئ البحرية في تغذية الشواطئ التي تتعرض للنحر مع عمل مشروعات تجريبية مثل الجسور الرملية لحماية الدلتا من النحر، وقد نفذت الدولة أعمال الحماية لنحو 25 بالمئة من سواحل الدلتا البالغ طولها 220 كيلو متر بوسائل متعددة من مصدات الأمواج".