حينما شارك الشاب الموريتاني الكفيف أحمد الجيلاني في مسابقة لاختيار أفضل شخصية من المكفوفين لعام 2021، التي نظمتها هيئة بولندية تدعى "فرصة للمكفوفين" (Chance for the blind foundation)، لم يكن معروفا على نطاق واسع، رغم أنه يشغل منصب مستشار وزيرة الشؤون الاجتماعية والطفولة والأسرة.
لكن فوزه بالمرتبة الثانية من بين 26 متسابقا من مختلف قارات العالم، مثَّل ما يشبه المعجزة؛ فلم يسبق لعربي أن وصل لأي من المراتب الثلاث الأولى في هذه المسابقة، وهكذا أصبح أحمد الجيلاني شخصية العام، ليس من بين المكفوفين فقط، بل من بين الشباب الموريتاني الذي آزره ودعمه من خلال التصويت عبر الإنترنت.
ويعبر الجيلاني عن امتنانه لوطنه، خلال حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، بالقول: "أعتقد أنني لم أكن لأفوز لولا الدعم الذي وجدته من طرف الشعب الموريتاني، بدءا من رئيس الجمهورية والسيدة الأولى، حتى كافة جهات المجتمع والجهات الحكومية، وكذلك من طرف الجاليات في الخارج التي عبرت عن مستوى عال من الدعم الذي كان له أثر إيجابي على مسار ترشحي".
البداية من الكويت
لم يكن الجيلاني يتخيل، وهو يخطو خطوات الشباب الأولى حيث ولد في حي العديلية بالعاصمة الكويتية، أن حياته ستسير يوما في هذا الاتجاه.
عام 2002 حصل الشاب الطموح على الثانوية العامة، القسم العلمي، بتقدير جيد، فخطط لأن يصبح طيارا مدنيا، لكن الحظ لم يحالفه حتى بعد اجتيازه لاختبار "توفل" في اللغة الإنجليزية، وصادف افتتاح الجامعة العربية المفتوحة، فسجل نفسه في إدارة الأعمال.
صفحة بيضاء
عام 2007 وبينما كان الجيلاني يدرس آخر دورة قبل التخرج، تفاجأ بأن الكتابة قد اختفت من الصفحات، التي أصبحت بيضاء تماما.
وعن تلك التجربة، قال: "في البداية ظننت أن الأمر مجرد إرهاق فقررت أن أستريح، لكن عندما عاودت المحاولة أدركت أن الأمر يستدعي زيارة الطبيب".
أخبره الطبيب أن لديه مشكلة في شبكية العين، فقرر السفر إلى دبي، وهناك كشف التشخيص عن مرض وراثي يؤدي إلى التهاب في شبكية العين لا يمكن علاجه.
عودة إلى الديار
بعد تفاقم حالته انقطع الجيلاني عن الجامعة، واقتضى الحال عودته إلى موريتانيا بعد أن طاف بعدة مستشفيات متخصصة، أكدت جميعها أن حالته لا شفاء منها، في الوقت الحالي على الأقل.
وقال عن تلك الفترة: "عشت أوقاتا صعبة وراودني اليأس، لكنني تماسكت واستمعت لتجربة عدد من أصحاب الإعاقة البصرية، الذين تجاوزوا إعاقتهم وحققوا مالم يحققه المبصرون، أبرزهم مثلي الأعلى عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، ووجدت أنني يجب أن أواصل دراستي ولا أستسلم للعجز".
رحلة كفاح
في جامعة نواكشوط تم قبول الجيلاني في كلية العلوم القانونية والاقتصادية، وتخصص في القانون العام إلى أن حصل على الماجيستير عام 2016. وكان موضوع بحثه (الحماية القانونية للأشخاص ذوي الإعاقة في موريتانيا).
"لم تكن طريقه مفروشة بالورود، لكن أحمد يتمتع بالإصرار والعزيمة وحب الحياة" يقول صديقه المقرب ورفيق دراسته سيد أحمد العلي.
أضاف لموقع "سكاي نيوز عربية": "تعرفت عليه في الجامعة ودرسنا معا لسنوات.. أحمد شخص عادي خال من العقد، وهو يساعد كثيرا من المكفوفين لتجاوز وضعهم وممارسة حياتهم بشكل طبيعي، كما يفعل هو".
بعد التخرج شارك الجيلاني في مسابقة لاكتتاب 100 من حملة الشهادات العليا من ذوي الإعاقة، وتلقى تكوينه كمفتش للشغل عام 2017، وانتقل بين عدة وظائف، إلى أن تم تعينه خلال العام الحالي مستشارا لوزيرة العمل الاجتماعي مكلفا بالأشخاص ذوي الإعاقة.
نظرة للمستقبل واهتمام بالمعاقين
ينظر الجيلاني ببصيرته للمستقبل بتفاؤل، ويكرس اهتمامه ووقته لخدمة المعاقين وإرشادهم. وفي هذا الصدد قال: "أرى أن اهتمام الدولة الموريتانية بمواطنيها من ذوي الاحتياجات الخاصة ومنحهم الحق في التعليم والولوج إلى الضمان الصحي والتوظيف وغير ذلك من الخدمات، من شأنه أن يساعد على دمجهم في المجتمع وحل قضاياهم".
واختتم حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية": "لكن ذلك كلَّه مرهون بإرادة المعاقين أنفسهم لأنهم هم من سيغيرون واقعهم ونظرة المجتمع إليهم، من خلال التعليم والانفتاح على الآخر والاستفادة من التسهيلات والمساعدات اللوجستية، كالتكنولوجيا واستخداماتها، وغير ذلك من الأمور".