رغم تخفيف الإجراءات والتدابير الاحترازية في المغرب بعد تحسن الوضع الوبائي، إلا أن الفضاءات الثقافية والفنية ما تزال مغلقة إلى اليوم، مما أثار استنكار عدد من الفاعلين الثقافيين والفنانين المغاربة.
هؤلاء وقعوا عريضة يطالبون فيها بإنهاء حالة "الموت" الثقافية والفنية في المغرب، وما نتج عن ذلك من خسارات في مجال الصناعات الثقافية والإبداعية.
سكتة قلبية مفتعلة
تتضمن العريضة، التي تؤسس لـ"حركة ماتقتلوش الفن فالمغرب" (لا تقتلوا الفن في المغرب)، توقيعات عدد كبير من نجوم المسرح والسينما والموسيقى والأدب في المملكة، الذين عبروا من خلالها عن احتجاجهم على "استمرار السكتة القلبية المفتعلة التي يعيشها المجال الفني، وكل ما يترتب عنها من رتابة الحياة، وتعطيل لولوجية مواطنيها للفن والثقافة وعطالة مهنييها".
وحَمّلت العريضة "مسؤولي القطاع الوصي كافة المسؤوليات في استمرار إغلاق بنيات الاستقبال الثقافي في وجه المغاربة رغم إجازة فتحها من لدن الحكومة، والتمادي في إلغاء الملتقيات والمهرجانات الوطنية عوض الاجتهاد في صيغ تنظيمها وتدبيرها بما يتناسب مع الظرفية".
كما رفض الموقعون على العريضة، مماطلة مسؤولي الوزارة الوصية في "الإعلان عن برامج الدعم الفني باختلافها في استهانة واضحة بحق مهنيي المجال في العمل والإبداع"، واستمرارهم في "إلغاء المسابقات الفنية، علما أن فترات الوباء باختلافها كانت محفزا لانتعاش الإبداع والخلق".
دق لناقوس الخطر
الأستاذ والمخرج المسرحي، أمين ناسور، وهو من المبادرين إلى التوقيع على العريضة، أكد أن الأخيرة "تعبير حر للفعاليات الفنية والثقافية، ودق لناقوس الخطر حول الإجهاز على القطاع الثقافي والفني في المغرب".
واعتبر ناسور، في تصريحه لـ"موقع سكاي نيوز عربية"، أن "فتح هذه الفضاءات بالنسبة للفنان والمهني، هي مسألة استمرار في إنتاج الفن والثقافة داخل المجتمع، وهي أيضا مسألة حياة؛ باعتبار الفن والثقافة هما مصدر دخل لمجموعة من الفنانين والمهنيين الذين يشتغلون داخل هذا القطاع".
من جانبه، قال رئيس النقابة الوطنية لمهنيي الفنون الدرامية، مسعود بوحسين: "العريضة مسألة طبيعية وتعبير عن واقع، لأنه لم تكن هناك إجراءات لحماية هذه الفئة إلى جانب ظهور التقصير الكبير في مجال هيكلة القطاع".
ودعا بوحسين، في حديثه لـ"موقع سكاي نيوز عربية"، إلى "استئناف الأنشطة الفنية والثقافية، مع سنّ خطط من طرف الوزارة الوصية لتدارك النقائص والأعطاب التي خلقتها فترة الجائحة".
وسجل بوحسين، أن "تداعيات الجائحة كانت لها تأثيرات كبيرة على المجال من الناحية الثقافية والمهنية والاجتماعية".
استمرار الإغلاق صعب
ويرى المشتغلون في مجال الصناعات الثقافية والفنية والتظاهرات في المغرب، أن هذا القطاع عرف "انتكاسة" حقيقية منذ بداية الجائحة بسبب توقف نشاط جميع فروعه.
يرجع السبب، إلى "طبيعة عمل أغلب الفنانين والمهنيين التي تعتمد على التجمعات العمومية سواء في الفضاءات المفتوحة خلال المهرجانات أو في الفضاءات المغلقة مثل المسارح والسينمات"، يبرز نائب رئيس فدرالية الصناعات الثقافية والإبداعية، هشام عبقري.
وتابع عبقري، في اتصاله بـ"موقع سكاي نيوز عربية"، أن "استمرار إغلاق هذه الفضاءات صعب؛ لأنه لا يمكن تصور حجم الخسائر التي يتكبدها هذا القطاع وانعكاس ذلك على المستوى الاجتماعي للعاملين فيه الذين أصبحوا في عطالة وبدون دخل".
وأفادت فدرالية الصناعات الثقافية والإبداعية، بتأثر 100 ألف منصب شغل بشكل مباشر، إذ سجّلت حوالي 1100 مقاولة في مجال الصناعات الثقافية والإبداعية والتظاهرات انخفاضا بنسبة 70 في المئة في رقم معاملاتها.
كما قدّرت الفدرالية التأثير الاقتصادي للأزمة على هذا القطاع بـ2 مليار درهم مغربي، داعية إلى تسريع إصلاح قطاع الصناعات الثقافية والإبداعية.
ضرورة استعجال الحلول
في هذا الظرف الاستثنائي بسبب تداعيات كورونا على الصناعات الإبداعية، كانت وزارة الثقافة السابقة خصصت دعما استثنائيا لمواكبة حاملي المشاريع الفنية في مجالات المسرح والموسيقى والأغاني وفنون العرض والفن الكوريغرافي والفنون التشكيلية والبصرية.
لكنه دعم لم يكن حلا فعليا لمشاكل القطاع المتضرر من تداعيات الجائحة، مما أثار حينها جدلا واسعا في الوسط الثقافي والفني المغربي.
في هذا السياق، نبه رئيس الاتحاد العام المغربي للنقابات الفنية، توفيق عمور، إلى الإجراءات التي خصصتها الوزارة السابقة لمعالجة آثار الجائحة، "لم تستطع للأسف أن تشمل كل الشرائح التي تشتغل بالمجال الفني".
وأوضح عمور، في حديثه لـ"موقع سكاي نيوز عربية"، أن الدعم الاستثنائي "أقصى غالبية الفئات المشتغلة بالمجال"، مضيفا أنها ذات "وضعية ومميزات خاصة ودقيقة جدا".
لذلك يأمل عمور أن يكون الوزير الجديد على القطاع "مبادرا خلافا لسلفيه السابقين من أجل التعاون مع الفعاليات والمنظمات المهنية، لإيجاد الحلول العاجلة والمناسبة لضخ روح جديدة في المشهد الثقافي والفني".