تنضم حادثة انتحار فتاة مصرية من الطابق السادس بأحد أشهر المولات في منطقة مدينة نصر (شرق القاهرة) مؤخراً، إلى سلسلة من حوادث الانتحار التي عادة ما يفجع بها المصريون وتثير لغطاً واسعاً، لجهة الأسباب والدوافع المؤدية للانتحار -على اختلاف الوسيلة- لا سيما في صفوف المراهقين والشباب.
فماذا تقول الأرقام والإحصاءات حول عدد حالات الانتحار في مصر؟ وما نسبة تلك الحالات ضمن الحوادث المختلفة على مستوى العالم؟
قبل عامين، وتحديداً في سبتمبر من العام 2019، أماطت منظمة الصحة العالمية اللثام عن تقرير لها حول ظاهرة الانتحار على مستوى العالم، وأحصت حالة انتحار واحدة كل 40 ثانية، وبما يعادل 800 ألف شخص سنوياً (أكثر من 50 بالمئة منهم دون الـ 45)، وطبقاً للتقرير، فإن 79 بالمئة من حالات الانتحار عالمياً وقعت في دول ذات دخول متوسطة أو منخفضة.
وكانت إحصاءات المنظمة للعام 2016 قد وضعت مصر على رأس الدول العربية فيما يتعلق بمعدلات الانتحار بإجمالي 3799 حالة خلال العام، بينما تقلل آخر الإحصاءات الرسمية المرتبطة بالعام 2017 بشكل كبير من هذه المعدلات المتداولة.
وفيما لا تتوافر إحصاءات رسمية "حديثة" في مصر -بعد العام 2017- توضح المعدلات الحقيقية لمعدلات الانتحار، لعدة أسباب؛ من بينها توثيق عدة وقائع على أنها وفاة طبيعية خشية شعور العائلات بالعار أو الخجل والوصم المجتمعي، إلا أن مجلس الوزراء المصري أصدر في العام 2019 بياناً تحدث فيه آنذاك عن ما وصفه بـ "الشائعات" بخصوص تصدر مصر المرتبة الأولى في معدلات الانتحار.
واعتمد المجلس في بيان له على آخر الإحصاءات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء والصادرة في العام 2017 والتي ذكرت أنه خلال العام المذكور (2017) وقعت 69 حالة فقط. واعتبر الجهاز أن "كل ما يتردد في هذا الشأن (بخصوص زيادة معدلات الانتحار) شائعات تستهدف النيل من الاستقرار المجتمعي".
وقال المركز الإعلامي لمجلس الوزراء المصري، في بيان له في العام 2019، إن بيانات البنك الدولي تظهر معدلات انتحار منخفضة جداً في مصر مقارنة بدول العالم، وأن القاهرة تأتي في المرتبة الـ 150 من أصل 183 دولة في معدلات الانتحار العالمية.
وعلى خطى تلك المعدلات المتباينة، كانت دراسة سابقة صادرة عن المجلس القومي للسموم التابع لجامعة القاهرة، قد قدّرت عدد حالات الانتحار في العام 2007 برقم مفجع، بلغ 3708 حالة، وجاءت نسبة المنتحرات الإناث هي الأكبر بنسبة 68 بالمئة، مقابل 32 بالمئة للذكور. وأرجعت الدراسة ما وصفته آنذاك بـ "تزايد" نسب الانتحار إلى البطالة وتأخر سن الزواج. وفي العام 2010 قال المركز إنه يستقبل أكثر من 16 حالة انتحار يومياً.
حوادث
ومع خطورة المشكلة، أطلقت عدة مؤسسات مصرية معنية، من بينها مجمع البحوث الإسلامية، مبادرات توعوية مختلفة للحث على الحفاظ على الحياة والتوعية ضد الانتحار.
وشهد العام الجاري 2021 عدة وقائع انتحار؛ كان من بينها قبل أسبوعين انتحار ربة منزل في منطقة بولاق الدكرور (بمحافظة الجيزة) تبلغ من العمر 31 عاماً، وكانت تعاني من حالة من الاكتئاب، وهي مطلقة وليس لديها أطفال.
كما انتحر قبل أيام مريض نفسي في منزله بمنطقة "أبو النمرس" بمحافظة الجيزة، إضافة إلى واقعة انتحار فتاة بالقاهرة عبر بث مباشر على الإنترنت، وغيرها من الوقائع المتعددة في هذا الإطار.
التفسير النفسي
ويقول استشاري الطب النفسي الدكتور جمال فرويز، في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية" من القاهرة، إن النسبة الأكبر ضمن حوادث الانتحار حول العالم عادة ما تكون في صفوف "المراهقين"؛ نظراً لما يعرف بحالة "تدهور سن المراهقة"، وما يعانونه من اضطرابات قد تدفع بعض الشخصيات إلى محاولة الانتحار.
ويوضح فرويز أن "أصحاب الشخصية العصابية في صفوف المراهقين، هم الأكثر إقداماً على التفكير في الانتحار، وهم عادة شخصيات سريعة التوتر، وعادة ما تظهر عليهم علامات ذلك التوتر (الصداع وقضم الأظافر وإحمرار الوجه والاضطراب بشكل عام.. إلخ)، ومع تعرض أصحاب الشخصية العصابية إلى صدمة أو ضغوط مادية أو عاطفية أو ما شابه قد يفكرون في الانتحار".
ويردف: "عادة ما تكون محاولة الانتحار الأولى بالنسبة للمراهقين أصحاب الشخصية العصابية هي الأعنف، وقد يقومون بتكرار المحاولة من جديد لكن بشكل أقل خطورة حال تعرضهم لضغوطات مماثلة".
فيما ينفي استشاري الطب النفسي في معرض حديثه مع موقع "سكاي نيوز عربية" تأثير الأوضاع الاجتماعية أو الاقتصادية في المطلق على تصاعد عمليات الانتحار، موضحاً أن "الانتحار ظاهرة عالمية.. وهناك حالة انتحار واحدة كل 40 ثانية وفق إحصاءات منظمة الصحة العالمية، وهذا يحدث في مختلف الدول على تفاوت أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي نمط الشخصية هو العامل الرئيسي في معدلات الانتحار، بما يعني أن الأمر ليس له علاقة بالأوضاع العامة بشكل مباشر".