نجح فريق بحثي بقيادة علماء مصريين في تسجيل اكتشاف جديد لجنس ونوع من أسلاف الحيتان البرمائية، التي جابت المياه المصرية قبل نحو 43 مليون سنة.
ووثق الفريق المصري اكتشافه الجديد في ورقة بحثية نُشرت، الأربعاء، في دورية "وقائع الجمعية الملكية للعلوم البيولوجية" المرموقة.
إنجاز للعرب
وتمثل الدراسة الجديدة إنجازا غير مسبوق لعلماء الحفريات العرب، إذ تعتبر هذه المرة الأولى التي يقود فيها فريق عربي مصري توثيق جنس ونوع جديد من الحيتان، بعدما ظل هذا العلم حكرا على العلماء الأجانب لفترة طويلة من الزمن، رغم ثراء التراث الطبيعي المصري بحفرياته المهمة.
وأطلق العلماء على الحوت المصري الجديد اسم "فيومسيتس" (Phiomicetu) نسبة لواحة الفيوم (المكان الذي استخرجت منه حفرياته)، بينما تمت تسمية النوع باسم إله فرعوني قديم "أنوبيس" لإضفاء الطابع المصري القديم على هذا الاسم العلمي، ليصبح الاسم كاملا (فيومسيتس أنوبيس).
ووفقا للدراسة الجديدة، فقد عاش فيومسيتس عندما كانت مساحة شاسعة من الأراضي المصرية مغطاة ببحر هو البحر المتوسط القديم، حيث عاشت كائنات بحرية من بينها أسلاف الحيتان التي تعيش اليوم.
وقال الباحثون إن الحوت المصري المكتشف، يبلغ طوله نحو 3 أمتار، ويزن نحو 600 كيلوغرام، وكان برمائي المعيشة، حيث كان قادرا على المشي على اليابسة والسباحة في البحر، كما أنه تميز بقدرات شم وسمع قوية، مثل تلك التي تمتلكها الثدييات التي تعيش على اليابسة.
واستخرجت حفريات الحوت عام 2008 بواسطة فريق من متخصصي وزارة البيئة المصرية بقيادة الدكتور محمد سامح، مدير عام محمية المنطقة المركزية، ثم عكف المختصون المصريون على دراستها بواسطة فريق مركز جامعة المنصورة للحفريات الفقارية بقيادة الدكتور هشام سلام، بموجب بروتوكول التعاون بين المؤسستين.
نوع جديد
ويقول منسق التعاون بين المؤسستين والمؤلف المشارك في الدراسة، الدكتور محمد سامح: "هناك العديد من الحيتان القديمة الفريدة من نوعها في صخور العصر الإيوسيني بمنخفض الفيوم، وهي منطقة مهمة لدراسة تطور الحيتان".
وتابع: "رواسب الفيوم تغطي فترة زمنية تبلغ حوالي 12 مليون سنة، يمكننا من خلالها متابعة التاريخ التطوري للعديد من السلالات، وتتراوح الاكتشافات المثيرة للاهتمام من الحيتان شبه المائية التي تشبه التماسيح إلى الحيتان المائية العملاقة مثل حوت الباسيلوصورس".
وأضاف لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن الفريق عمل على إنجاز الدراسة خلال 4 سنوات متصلة، حيث تمت مقارنة العينات المكتشفة بقواعد البيانات لعينات حيتان أخرى في مصر وخارجها.
ومن خلال هذه الدراسة التشريحية المفصلة لهيكل الحوت، اكتشف الباحثون المصريون اختلاف الحوت الجديد جذريا عن كل أقرانه من الحيتان المعروفة من قبل، خاصة في حجم الأسنان وأبعاد الجمجمة.
كما أوضحت خصائص الحوت التشريحية، أنه كان يتميز بمهارات افتراس كبيرة، وعضلات فكين قوية وضخمة، مكَّنت هذا الحوت من الهيمنة على البيئة التي عاش فيها آنذاك، بما يشبه الحوت القاتل (حوت الأوركا) الذي يعيش اليوم.
ووجد الفريق البحثي أن ضلوع حوت فيومسيتس تظهر علامات عض وآثار أسنان، ويعتقد الباحثون أنها تشكلت بواسطة أسماك القرش الصغيرة التي من المحتمل أنها لم تكن كبيرة بما يكفي لتتمكن من افتراس فيومسيتس، لذا يرجح العلماء أن أسماك القرش هذه تغذت على جيفة الحوت بعد مماته.
إضافة جديدة وتساؤلات
من جانبه، يقول الباحث بجامعة المنصورة وعضو سلام لاب والمؤلف الرئيسي للدراسة، عبد الله جوهر: "تعد هذه الورقة العلمية كشفا مهما في دراسات التراث الطبيعي المصري والإفريقي من الحفريات، وخطوة نحو إبراز المحتوى المصري المتميز من حفريات الحيوانات القديمة، الذي يسهم يوما بعد يوم في كشف خبايا وألغاز علمية مهمة".
وبيّن جوهر أن: "توثيق نوع جديد من الحيتان البرمائية، يمثل نقطة محورية في فهم تطور الحيتان وانتقال معيشتها من اليابسة إلى الماء".
وبدوره، علق الدكتور هشام سلام، أستاذ الحفريات بالجامعة الأميركية، ومؤسس مركز جامعة المنصورة للحفريات الفقارية وقائد الفريق المصري، على الاكتشاف المهم، قائلا: "لم يضف فيومسيتس فقط إلى معرفتنا بأشكال الحيتان الانتقالية المبكرة، ولكنه أثار أيضا تساؤلات جديدة حول النظم البيئية التي عاشت فيها تلك الحيوانات القديمة، ووجه رؤيتنا البحثية الجديدة نحو إيجاد إجابات لأسئلة كبيرة عن أصل الحيتان القديمة وتعايشها مع بعضها البعض في مصر".