فجأة ومن دون سابق إنذار، قد يقتحم حياة الإنسان زائر ثقيل كداء السرطان، ووحدهم المسلحون بالأمل والإرادة والعزيمة قادرون على الخروج منتصرين من معركته، والشابة المغربية كوثر رويبعة واحدة من هؤلاء المحاربين.
"السرطان رحلة اختارتني ولم أخترها، سأعيشها بإيجابية وتفاؤل".. كلمات لخصت بها كوثر تجربتها مع المرض الخبيث، وقصتها التي كتبت فصولها بعصارة الألم الجسدي والمعاناة النفسية المغلفة بالأمل.
وبروح مفعمة بالإيجابية وابتسامة لا تفارق محياها، تتعايش الشابة الثلاثينية مع سرطان الثدي، وتشارك مع متابعيها على مواقع التواصل الاجتماعي فصولا من تجربتها مع المرض، في محاولة لتغيير الصور النمطية المرتبطة بهذا الداء في المجتمع.
وتحرص كوثر على نشر صور لها وهي حليقة الرأس وفي كامل أناقتها، وتعتبر أن التكيف مع المرض والإحساس بالجمال يعطيان شحنة من الطاقة النفسية التي تساعد على العلاج.
اكتشاف المرض
في أحد أيام يونيو من العام الماضي، وأثناء وضعها لمرطبها اليومي، اكتشفت كوثر كتلة غريبة في ثديها الأيمن، وسرعان ذهبت إلى الطبيب لإجراء فحص مستعجل.
تقول كوثر لموقع "سكاي نيوز عربية": "خضعت ساعتها لكشف بالموجات فوق الصوتية للثدي إلى جانب التصوير الإشعاعي، مما أكد شكوكي حول وجود كتلة غير طبيعية بالثدي".
وتضيف: "أجرت بعدها خزعة (إزالة قطعة من النسيج أو عينة من خلايا الجسم وتحليلها)".
وتتذكر الشابة كيف كانت فترة انتظار نتائج التحليلات المخبرية، من أصعب الفترات في رحلتها مع السرطان، رغم أنها كانت شبه متأكدة من إصابتها بالمرض، لعوامل عدة من بينها نتائج الفحص الإشعاعي وصلابة الكتلة غير الطبيعية.
وتحكي كوثر كيف أن الخبر سقط عليها كالصاعقة، وقلب حياتها رأسا على عقب، وكيف لم تتوقف ساعتها عن التساؤل حول الأسباب وراء إصابتها بالسرطان، رغم صغر سنها ونمط العيش الصحي الذي كانت تتبعه.
رحلة العلاج
وبعد مرور فترة وجيزة، تمكنت الشابة من تجاوز الصدمة والتغلب على مشاعر الخوف، واختارت أن تسلك طريق التفاؤل متشبثة بالأمل في الحياة، وانطلقت في رحلة العلاج المرهقة جسديا ونفسيا.
تقول كوثر: "اخترت أن أتسلح بالشجاعة والصبر لأتعايش مع المرض وحيدة ومن دون مساعدة أي أحد كان، سواء أصدقاء أو أقارب. لم أكن لأتحمل رأيتهم يتألمون من أجلي".
"عشت معاناة حقيقة ولا يمكنني وصف حجم الألم الذي كنت أشعر به بعد حصص العلاج الكيماوي. كنت أحاول أن أبقى دائما قوية وألا أمنح للمرض فرصة لكي يهزمني"، تضيف كوثر.
وفي أواخر السنة الماضية استكملت كوثر العلاج الكيماوي، وخضعت بعدها لاستئصال جزئي للثدي مع حصص من العلاج الإشعاعي، وهي تواصل الآن العلاج الموجه مع الاستعانة بالأدوية الهرمونية.
وتؤكد كوثر أن التخلص من الحصص الكيماوية وبلوغ مرحلة متقدمة من العلاج، لا يعني التخلص من الآثار الجانية سواء النفسية أو الجسدية التي يعانيها مريض السرطان.
المواجهة الافتراضية والطاقة الإيجابية
بعد التأكد من إصابتها بالمرض الخبيث، انطلقت كوثر في رحلة البحث عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن بارقة أمل تساعدها في خوض معركتها الجديدة، وعن حالات تعايشت مع الداء بإيجابية، إلا أنها غالبا ما كانت تصطدم بالصور النمطية المنتشرة حول المرض في الوسائط الاجتماعية.
لكن هذا الأمر منحها العزيمة والإصرار للخروج إلى العلن ومشاركة تجربتها مع متابعيها، بهدف نشر الطاقة الإيجابية والتفاؤل بينهم ومنح الأمل لنساء يعشن نفس التجربة، مع محاولة تغيير الصورة السلبية حول السرطان.
كما شكلت القصص التي شهدتها كوثر داخل قاعات الانتظار في المستشفيات، لسيدات كن يعانين نظرة المجتمع السلبية، وأخريات تأخرن في الكشف عن المرض، دافعا إضافيا لتقاسم تجربتها.
الشعور بالجمال
تساقط الشعر أو فقدان الحواجب والرموش، أعراض جانبية ناتجة عن العلاج الكيماوي، قد تسبب أزمات نفسية لدى بعض مرضى السرطان، لكن بالنسبة لكوثر فقد شكلت مصدرا تستمد منه قوتها للاستمرار في العلاج.
وتقول الشابة: "الشعر كان بالنسبة لي بطاقة هوية. لم أتصور يوما أنني قد أتخلى عنه، لكن عندما فعلتها مضطرة بسبب المرض أعجبني مظهري الجديد كثيرا، وبدأت في مشاركة صوري وأنا حليقة الشعر على مواقع التواصل الاجتماعي".
وترفض كوثر ربط الجمال بالشعر أو بأي معيار آخر، وترى أن "الشعور بالجمال الخارجي والاهتمام بالذات بعيدا عن نظرة الآخرين ينعكس بشكل كبير على نفسية المريض، ويعتبر خطوة مهمة في رحلة العلاج".
فرصة جديدة في الحياة
وتؤكد كوثر أن إصابتها بمرض السرطان شكلت أهم محطة من محطات حياتها، وكانت فرصة بالنسبة لها من أجل وقفة مع الذات، لإعادة ترتيب أوراق الحياة وترتيب الأولويات.
وتضيف قائلة: "علمني السرطان ألا أربط نفسي بالمستقبل، فعلى الإنسان أن يعيش حاضره ويستمتع بكل لحظة في الحياة، ويحاول الابتعاد عن التفكير في الماضي الذي يستهلك الكثير من الطاقة الإيجابية".
وتشدد كوثر على أن الجميع معرض للإصابة بالسرطان، وتدعو إلى تجنب مسبباته من خلال الاهتمام بالصحة الجسدية والنفسية والحرص على مزاولة الأنشطة الرياضية ومحاولة الابتعاد عن مشاعر القلق والتوتر، إلى جانب الحرص على إجراء الفحوص بشكل منتظم.