كشف وزير التعليم المغربي، سعيد أمزازي، في حوار مع موقع "سكاي نيوز عربية"، أبرز محاور الإصلاح الجامعي الذي تراهن عليه المملكة من أجل الحد من انقطاع الطلبة عن الدراسة، إلى جانب تزويدهم بمهارات أكثر فائدة في سوق العمل.
وأشار سعيد أمزازي، إلى عدد من العقبات والعوامل التي دفعت وزارة التربية الوطنية إلى إصلاح النظام الجامعي، وسط آمال بأن يعيد الوهج إلى "الجامعة المغربية".
وقررت الحكومة المغربية إطلاق تجربة البكالوريوس في الجامعات المغربية، وهو نظام جديد تقرر العمل به ابتداء من الموسم المقبل في جامعات المملكة.
ويقوم هذا الإصلاح بإنهاء نظام يعرف بالإجازة في ثلاث سنوات، ويدشن لعهد جديد بدراسة أربع سنوات. وكانت الحكومة قد قررت تأجيل إطلاق هذا المشروع، في السنة الماضية، بسبب تداعيات أزمة فيروس كورونا المستجد.
وفي اتصال لموقع "سكاي نيوز عربية " مع وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، كشف أمزازي تفاصيل مشروع الإصلاح.
ولدى سؤاله عن السبب وراء قرار الحكومة اعتماد نظام البكالوريوس، أشار إلى عدد من التقارير المنجزة من طرف المؤسسات الدستورية للمملكة، لا سيما المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي والمجلس الأعلى للحسابات، والدراسات الصادرة عن مجموعة من المؤسسات الدولية (البنك الدولي، ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي) وكذا التقارير المنجزة من طرف الجامعات وتوصيات اليوم الوطني للإصلاح البيداغوجي (المنعقد بمراكش خلال شهر أكتوبر 2018).
وأوضح أن جميعها أكدت على "ضرورة إرساء نموذج جديد للتكوين الجامعي، بغية تجاوز الاختلالات المتعلقة بالمردودية الداخلية والخارجية لسلك الإجازة بالمؤسسات الجامعية ذات الولوج المفتوح، التي تحتضن حوالي 90 بالمئة من الطلبة المسجلين بالتعليم العالي بالمغرب".
ونوه إلى أن أهم هذه الاختلالات يمكن أن تتلخص في 3 نقاط، هي:
- إشكالية التوجيه وعدم ملاءمة مخرجات التعليم الثانوي مع طبيعة توزيع الطلبة بمختلف مسالك الإجازة.
وتابع: "يشكل حاملو شهادة البكالوريا في شعب العلوم والتقنيات ما يفوق 60 في المئة، في حين لا تتعدى نسبة الطلبة الجدد المسجلين بمسالك العلوم بالإجازة 15في المئة؛ علما أن 35 بالمئة من مجموع الحاصلين على بكالوريا علمية أو تقنية يفضلون التسجيل في ميادين العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية والآداب والعلوم الإنسانية".
- ارتفاع نسب الهدر الجامعي، حيث يغادر 16,5 في المئة من الطلبة الجدد مقاعد الدراسة في نهاية السنة الأولى لسلك الإجازة.
وتبلغ النسبة الإجمالية للانقطاع عن الدراسة دون الحصول على أي شهادة نسبة 47,2 في المئة، في حين تحصل نسبة 13,3 في المئة فقط من مجموع الطلبة الجدد المسجلين بالمؤسسات ذات الولوج المفتوح على دبلوم الإجازة في مدة ثلاث سنوات.
- صعوبة الولوج والاندماج في سوق الشغل، حيث تشير إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط لسنة 2018 إلى نسبة بطالة تقارب 19 في المئة لدى حاملي شهادة الإجازة.
كما يؤكد أغلبية المشغلين من عالم المقاولة على عدم تملك خريجي المؤسسات الجامعية ذات الولوج المفتوح لمجموعة من الكفايات الأفقية المتعلقة بالمهارات الحياتية والذاتية رغم تمكنهم من عدد من المعارف النظرية والمهارات التقنية.
الأهداف
وعن أهداف هذا الإصلاح الجامعي، وكيف يمكن أن يعيد للجامعة المغربية مكانتها، قال: "يهدف نظام البكالوريوس إلى تجاوز مختلف النقائص والاختلالات التي يعرفها النظام الحالي للإجازة، وذلك من خلال تحسين قابلية التشغيل وتطوير روح التنافسية لدى الطلبة عبر تمكينهم من اللغات الأجنبية، والكفايات الحياتية والذاتية وتنمية ثقافتهم العامة وشخصيتهم".
وأضاف أمزازي: "كما سيمكن هذا النظام من الرفع من المردودية الداخلية لمؤسسات التعليم العالي ذات الولوج المفتوح والحد من الهدر الجامعي والرفع من نسبة الإشهاد بهذه المؤسسات".
وسيسمح اعتماد البكالوريوس، باعتباره الشهادة الأكثر تداولا في العالم، من تحسين الحركية الدولية للطلبة ودعم انفتاح المنظومة الوطنية للتعليم العالي على النماذج الدولية الرائدة.
وقال: "إذا كانت الجامعة المغربية، على مدى عقود من الزمن، قد كونت النخب العلمية والثقافية والإدارية للمملكة وساهمت في إشعاعها الجهوي والدولي، فإن من شأن اعتماد نظام البكالوريوس أن يقطع مع الصور النمطية السلبية التي أصبحت تلازم المؤسسات الجامعية ذات الولوج المفتوح خلال السنوات الأخيرة، ويشكل إضافة نوعية لما راكمته هذه الجامعة من نجاحات في مجالي التكوين والبحث".
وفي هذا الصدد، سيمكن هذا النظام الجديد من الاستجابة لحاجيات سوق الشغل من الموارد البشرية المؤهلة من خلال تمكينه الخريجين، بالإضافة إلى تكوين معرفي ذي جودة، من لغتين أجنبيتين على الأقل وكذا تملك المهارات الحياتية والذاتية الأكثر طلبا من طرف المشغلين (حل المشاكل المعقدة، التفكير النقدي، الإبداع وحب المبادرة، وتسيير الفرق، وروح الفريق، والذكاء العاطفي، واتخاذ القرار، والحس الخدماتي، وحس التفاوض، المرونة المعرفية) بالإضافة إلى رصيد ثقافي وقيمي غني ومنفتح.
كما ستسمح المقاربة المتبعة في هندسة التكوين بسلك البكالوريوس من ضخ جرعة مهنية، يختلف حجمها باختلاف المجالات المعرفية، في جميع المسالك مع إشراك فعلي للمحيط الاقتصادي في تحديد الحاجيات وهندسة التكوينات وتقييمها وفي التدريس والتأطير.
هل تم الإعداد جيدا لهذا الانتقال؟
وفي هذا الصدد، قال أمزازي: "لقد اشتغلت الوزارة بمعية الجامعات وبإشراك هياكلها، على مدى أكثر من سنتين، على الإعداد البيداغوجي والتقني لتفعيل نظام البكالوريوس، من خلال إعداد واعتماد دفتر الضوابط البيداغوجية (علم التربية) الوطنية لهذا السلك، وتطوير الموارد الرقمية الوطنية للعديد من الوحدات المعرفية الأساسية".
كما اشتركت الجامعات في عدد من المنصات الرقمية الدولية الرائدة في تعليم اللغات الأجنبية، وتم اعتماد منصات وطنية ودولية في مجال تطوير المهارات الحياتية والذاتية، بالإضافة إلى إرساء المنصة الوطنية للتوجيه النشيط.
أما فيما يتعلق بكلفة هذا الإصلاح، فأوضح: "يجب التذكير بأن مواصلة اعتماد النظام الحالي للإجازة يتسبب في هدر 3,7 مليار درهم (415 مليون دولار) سنويا من ميزانية الدولة ككلفة إضافية للتسيير نتيجة تفاقم ظاهرتي الانقطاع والتكرار".
ومن أجل تمكين هذا الور الإصلاحي من سبل النجاح، ستتم تعبئة الموارد المالية الضرورية في إطار تعاقدي متعدد السنوات بين الدولة والجامعات.
وبخصوص الحاجيات من الموارد البشرية وبالموازاة مع مواصلة المجهودات المبذولة على مستوى التوظيفات الجديدة وكذا مناصب التحويل، سيتم العمل على ترشيد وتعاضد الموارد البشرية المتوفرة لدى الجامعات، حيث أن توطين مسالك البكالوريوس على مستوى الجامعات والمؤسسات الجامعية سيسمح بمساهمة الأساتذة الباحثين لشعب مختلفة في التكوين والتأطير.
وحرصا على تطوير قدرات الموارد البشرية للجامعات، تم إطلاق عدة برامج لتكوين الأساتذة الباحثين في مجال التجديد البيداغوجي وتطوير الموارد الرقمية وتدريس اللغات والمهارات الحياتية والذاتية.
الرد على "المنتقدين"
ورد وزير التعليم المغربي على المنتقدين لهذه الخطوة، قائلا: "يجب إعادة التأكيد على أن الوزارة قد اعتمدت مقاربة تشاركية وتشاورية منذ المراحل الأولى للتشخيص إلى الشروع في تنزيل نظام البكالوريوس، مرورا بمختلف محطات التفكير والإعداد".
وفي هذا الصدد، تم تنظيم لقاء بيداغوجي وطني تحت شعار "الجامعة المتجددة: الإجازة، رهان للتأهيل الأكاديمي والاندماج المهني"، وذلك يومي 2 و3 أكتوبر 2018 بمراكش.
وقد عرف اللقاء البيداغوجي الوطني حضورا مكثفا لما يقارب 700 مشاركا يمثلون مختلف الفاعلين والمتدخلين والشركاء في المنظومة الوطنية للتربية والتكوين. وشكلت مخرجات هذا اللقاء الإطار المحدد لمسار الإعداد لنظام البكالوريوس.
كما عملت الوزارة على تنزيل مشروع الضوابط البيداغوجية، على مرحلتين، إلى هياكل الجامعات لمناقشته واستقاء ملاحظاتها وإضافاتها التي أخذت معظمها بعين الاعتبار في الصيغة المعروضة للنقاش والتشاور والتداول في اللقاء البيداغوجي الوطني المنعقد بتاريخ 08 فبراير 2020 بمدينة سلا.
وفي نفس الإطار، تم تنظيم لقاءات بالجامعات الاثني عشرة، خلال النصف الثاني من شهر فبراير 2020، لعرض مضامين هذا النظام ومواصلة التشاور مع الأساتذة الباحثين بهذا الخصوص.
وشهدت أيضا الفترة الممتدة ما بين 25 ماي و4 يونيو 2021 عقد أربع لقاءات بالأقطاب الجهوية للجامعات الوطنية لتعميق النقاش بخصوص السبل المثلى لتنزيل النظام الجديد.
وتابع: "أما بخصوص الإصلاح الشمولي الذي ينادي به الشركاء الاجتماعيون، وهو نفس الهم الذي تتقاسمه معهم الوزارة، فإنه وموازاة مع ورش الإصلاح البيداغوجي وباعتماد مقاربة تشاركية وسيرا على النهج التشاوري المعتاد، فقد تم الانتهاء من إعداد مشروع القانون المتعلق بتنظيم التعليم العالي والبحث العلمي ونشره على الموقع الالكتروني للوزارة لتمكين جميع من يهمهم الأمر من إبداء ملاحظاتهم ومقترحاتهم بهذا الشأن".
كما تم التوافق مع الشركاء الاجتماعيين بخصوص التعديلات الخاصة بمراجعة النظام الأساسي للأساتذة الباحثين.
من جهة أخرى، تم اعتماد مبدأ التدرج في إرساء نظام البكالوريوس من خلال الشروع في تنزيل هذا النظام في عدد محدود من المسالك، برسم الدخول الجامعي 2021-2022، في أفق تعميمه بداية من السنة الجامعية 2022-2023.
كما سيتيح النظام الجديد الحفاظ على العديد من مكتسبات سلك الإجازة، لا سيما تلك المتعلقة بالمعاوضة (استيفاء الوحدات عن طريق المعاوضة خلال الفصل والسنة) وإعادة التوجيه مع الحفاظ على الأرصدة القياسية المكتسبة وإعادة التسجيل لأكثر من مرة في الوحدة التي تحصل فيها الطالب على أقل من 10 على 20 ولم يستوفها، وكذا احتفاظ الطالب بالنقطة الأعلى في الدورة الاستدراكية المنضمة في نهاية السنة الجامعية بالنسبة للطلبة الذين لم يستوفوا السنة الدراسية.