لم تكن كانتال باكر تعرف أنها ستغرم بالمدينة الحمراء، وأن سحر "جامع الفناء" سيأسرها ويجعلها تنتقل للعيش فيها بعيدا عن أهلها الذين تركتهم في هولندا.
يقول مثل شعبي مغربي: "دخول الحمام ليس كالخروج منه"، وقصة كانتال البالغة من العمر 21 عاما، خير دليل على ذلك، فما إن وطأت قدما الشابة الهولندية أرض مراكش حتى تغيرت كثير من الأشياء بداخلها، وأسرتها المدينة ببساطتها وطقسها الدافئ، فلم تعد ترى منفذا للخروج منها، وأصبحت مولعة بمدينة البهجة، التي لا تغادر الابتسامة وجوه سكانها، المعروفين بخفة دمهم، وحبهم للحياة.
وتقول كانتال لموقع "سكاي نيوز عربية": "قدمت إلى مراكش في صيف 2015، وكان أول ما قمت به، هو ركوب دراجة هوائية، قمت بجولة سريعة في المدينة لاكتشافها والاستمتاع بالمشاهد الخلابة، التي لم أكن أراها إلا على مواقع السفر. لم تلزمني سوى بضع ساعات لأقع في حب المدينة الحمراء".
وبدون سابق إنذار، تحولت كانتال من سائحة مغتربة إلى واحدة من أهل المدينة، وأصبحت بعد أسابيع قليلة، أدرى بشعابها.
فكرة المشروع
انطلقت كانتال من تجربتها الشخصية لإطلاق مشروع "بيكالا بايك"، وكلمة بيكالا في العامية المغربية تعني دراجة هوائية.
وتحكي كانتال لموقع "سكاي نيوز عربية"، كيف أنها لاحظت عدة ظواهر اجتماعية في شوارع مراكش، دفعتها للتفكير في مدّ يد المساعدة والانطلاق نحو تأسيس مشروعها: "لقد لاحظت عندما قررت الاستقرار هنا، أن هناك شبابا بدون عمل، كما رأيت أن هناك تلوثا للهواء بسبب السيارات والدراجات النارية كما في المدن الكبرى بالعالم. فقلت في نفسي لم لا أطلق مشروعا يُعنى بالدراجات وأضرب عصفورين بحجر واحد؟".
وأطلقت كانتال العنان لخيالها، وانطلقت في مشروعها الطموح، حيث شرعت تبحث عن محل بسيط لوضع حجر الأساس لفكرتها.
ووجدت ضالتها سريعا في قلب المدينة العتيقة، فقامت بترميم مستودع قديم للبلدية، وجمعت حولها فريقا شابا من الطاقات المغربية، ليتحول المكان بعد أيام من العمل إلى ورشة كبيرة لإصلاح الدراجات، فكان هنا مكان ولادة مبادرة "بيكالا بايك"، باعتبارها خطوة غير مسبوقة ترمي لجعل الدراجة وسيلة نقل في خدمة التنمية الاجتماعية الاقتصادية.
وتوضح كانتال أن الورشة المُعَدة لإعادة تزيين الدراجات، تمكنت، منذ تاريخ افتتاحها، من استقبال حوالي ثلاثين شابا جاؤوا للعمل بها، مشيرة إلى أن طموحها يتمثل في التوصل إلى تحسين التنقل المستدام، وحماية مركز المدينة التاريخي من التلوث المروري، وتنمية حس ضرورة المحافظة على البيئة.
وأضافت أن "بيكالا بايك" يعد "فضاء مهنيا" يمكّن الشباب من تطوير ذواتهم، والحصول على عملهم الأول.
شباب مغربي
ومن بين الشباب النشيطين بالورشة، عصام وأمينة ونهيلة، وهم شباب التحقوا بالمشروع في خطواته الأولى، واستهلوا مسيرتهم داخل "بيكالا بايك"، بصفتهم مرافقين للسياح خلال جولاتهم بالدراجة في المدينة الحمراء.
كذلك عملت جمعية "بيكالا بايك" على تشكيل فريق من 30 شابا ليصبحوا مرافقين للسياح، وتقنيين، وعاملين في مجال "التوصيل الأخضر" عبر الدراجات.
وأشرف على تدريب الفريق مهنيون محليون وأجانب، عملوا على تعليم تقنيات ذات صلة بالدراجات، إلى جانب تقوية الكفاءات الشخصية، هذا إلى جانب تنظيم حصص في اللغة الإنجليزية والاقتصاد، كما يتم تنظيم ورشات مجانية لفائدة الأطفال، لتعليمهم ركوب الدراجات وتلقينهم المبادئ الأولية لقانون السير.
ومن أجل إنجاح مبادرات الجمعية، اعتمدت "بيكالا بايك" على شراكات مع القطاع العمومي من أجل توسيع تأثيرها، والحصول على دعم لتوسيع نشاطها على الصعيد الوطني.
أما بالقطاع الخاص، فتبحث كانتال عن نوعين اثنين من التعاون، الأول تجاري أي الشركات الراغبة في استخدام الدراجات ضمن خدمات التوصيل، والسياحة الإيكولوجية وتأجير الدراجات، بينما الثاني اجتماعي، أي الحصول على منح ودعم مادي أو عيني.
وفي هذا الصدد، أشادت كانتال بدعم مؤسسة "توي إيه جي" وسفارة هولندا والمنظمة العالمية للسياحة، وكذلك برامج وطنية والمركز الوطني محمد السادس للمعاقين وغيرها.
وبفضل هذا الدعم، ستتمكن "بيكالا بايك" من إطلاق مشاريع مماثلة في مدن أخرى بالمغرب، لاسيما بالرباط والصويرة وأكادير وتارودانت.
نصائح عملية
وقدّمت كانتال ثلاث نصائح للشابات والشباب المغاربة للاستثمار وتحسين جودة حياتهم، قائلة: "يجب أولا الوثوق في الفكرة والإيمان بها، ففي بداية المشروع ستصادف أشخاصا يطرحون أسئلة من قبيل، هل هذه فكرة جيدة؟ وهل تظن أنك ستنجح؟ لا يجب الانسياق وراء الملاحظات التافهة والنقد الذي لا يفيد في شيء، بل يجب الاستماع فقط لمن يضيف تحسينات على مشروعك ويعطيك نصائح عملية".
واسترسلت كانتال قائلة: "النصيحة الثانية، فهي تحديد الأهداف من المشروع. فالفكرة يجب أن تكون ذات أبعاد متنوعة وترمي لتحقيق أهداف متكاملة، مثل مشروع بيكالا بايك. فنحن نريد التشجيع على استعمال الدراجة كوسيلة نقل نظيفة، إلى جانب خلق فرص عمل، بالإضافة إلى تكوين الشباب وإذكاء روح المبادرة فيهم."
وأخيرا شددت الشابة الهولندية على ضرورة الشروع في العمل، وعدم الاستسلام للمخاوف والحسابات الكثيرة التي قد تعترض كل من بريد إطلاق مشروعه، موضحة أن التفكير الزائد قد يمنع الشباب من العمل على مشاريعهم.