يترقب معظم المغاربة، فصل الربيع وطقسه المشمس من أجل الاستمتاع والتنزه في الطبيعة رفقة العائلة والأصدقاء، أما بالنسبة لفاطمة الزهراء الغزاوي، فإن أشعة الشمس تشكل تهديدا حقيقا لحياتها.
وتعاني فاطمة الزهراء البالغة من العمر 29 عاما، من مرض جفاف الجلد المصطبغ (xeroderma pigmentosum)، وهو مرض وراثي نادر وغير معد، يعرف بحساسيته العالية لأشعة الشمس فوق البنفسجية.
وقد يتسبب المرض لفاطمة الزهراء وغيرها من المصابين به، في تكون أورام سرطانية، وربما تتحول مع مرور الوقت إلى سرطان الجلد، بسبب المضاعفات الناتجة عن التعرض لأشعة الشمس، كما يمكنه أيضا أن يؤدي إلى تدمير العينيين، ويؤثر في حالات أخرى على الجهاز العصبي.
ويطلق على المصابين بهذا المرض، "أطفال القمر" نظرا لعدم قدرتهم على الخروج في وضح النهار، واكتفائهم بالظهور بعد مغيب الشمس، وتحت ضوء القمر.
وإذا كان أغلب المصابين من "أطفال القمر" قد فرض عليهم المرض البقاء في عزلة عن العالم الخارجي الذي يجهل الكثير عنهم وعن مرضهم النادر، فإن قلة منهم فقط اختاروا التعايش مع وضعهم الاستثنائي ومواجهة المجتمع، وفاطمة الزهراء الغزاوي واحدة منهم.
طفولة قاسية بدون دراسة
في السنة الثانية من عمر فاطمة الزهراء، لاحظ والداها ظهور بقع حمراء على جلدها، فلجآ إلى طبيب أجرى الفحوص وأكد لهما، إصابة ابنتهما بمرض جفاف الجلد المصطبغ النادر.
تحكي فاطمة الزهراء، كيف كانت عائلتها ورغم عدم إلمامها بتفاصيل وبخطورة المرض تحرص على تجنبها التعرض لأشعة الشمس، في الوقت الذي كانت تتمرد فيه وهي طفلة على كل التوجيهات والنصائح بعدم الخروج وملازمة البيت.
وتضيف الشابة في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية"، أن ما زاد من تعقيد خطورة حالتها الصحية، اضطرارها بشكل يومي للتنقل سيرا على الأقدام وتحت أشعة الشمس بين البيت والمدرسة.
وفي تلك الفترة، شكل ظهور ورم صغير ما فتئ حجمه يتضاعف على أنف فاطمة الزهراء، منعطفا خطيرا في وضعها الصحي، ودفع بها لإجراء عملية جراحية قصد استئصاله، بعدما أكد الطبيب إمكانية حصول تشوه في الوجه إذا تم إهماله.
وبعد نجاح العملية، وجدت فاطمة الزهراء نفسها أمام خيارين لا ثالث لهما، الذهاب إلى المدرسة أو الحفاظ على حياتها، فاختارت بمعية والديها التوقف عن الدراسة وملازمة المنزل، ليتحول نهارها إلى ليل وليلها إلى نهار.
صراع مع الحياة
في ربيعها السابع عشر، أتيحت للشابة فرصة البحث على الانترنيت والإطلاع أكثر على تفاصيل مرضها النادر، لتدرك بعدها حجم خطورته، وتستوعب عدم وجود علاج سوى اتخاذ احتياطات وقائية تجنبها التعرض لأشعة الشمس، إن أرادت البقاء على قيد الحياة.
مكثت فاطمة الزهراء في منزلها الذي كان يشكل ملجأها الآمن، حيث تمضي معظم وقتها خلال النهار في النوم، وتبدأ يوما جديدا بمجرد أن تغيب الشمس ويطل القمر.
وبدأت نظرة فاطمة الزهراء للأشياء من حولها تتغير بتغير نمط حياتها، وزاد من ذلك إجراؤها أزيد من 65 عملية جراحية لإزالة أورام سرطانية في أجزاء مختلفة من جسمها، امتدت لجفونها ولسانها الذي قطع جزء منه.
تصف فاطمة الزهراء، لموقع "سكاي نيوز عربية"، كيف أن جسدها ومع توالي العمليات لم يعد يتجاوب بالشكل المطلوب مع التخدير، ولم يعد قادرا على محاصرة الآلام الذي أصبحت تشعر بها أثناء الجراحة.
دعم الأهل والتعايش مع المرض
مع مرور السنين وبفضل دعم أسرتها، استطاعت الشابة التأقلم والتعايش مع المرض، وحاولت تكسير العزلة التي فرضت عليها.
وشكلت هذه العزلة تحديا كبيرا لفاطمة الزهراء ولعائلتها التي حرصت على توفير جميع الظروف لكي تعيش فاطمة الزهراء بدون مخاطر، حيث جهزت كل نوافذ المنزل والسيارة بواقيات شمسية تمنع تسلل أشعة الشمس فوق البنفسجية.
كما أصبحت الشابة تستطيع الخروج إلى الشارع خلال النهار، بفضل ارتدائها قناعا واقيا يحميها من أشعة الشمس بنسبة مئة في المئة، منحته لها سيدة مقيمة في فرنسا.
وفي المقابل، مازال العديد من المصابين بهذا المرض، ييعشون حسب فاطمة الزهراء في عزلة عن العالم الخارجي، بسبب عدم قدرتهم على توفير القناع الذي لا يباع في المغرب ويبلغ ثمنه أزيد من 1000 دولار.
وتشير الشابة إلى أنه "يوجد في المملكة حاليا أزيد من 500 مصاب بهذا المرض، وذلك يعود لانتشار زواج الأقارب، وهو من أبرز الأسباب المؤدية إلى الإصابة بجفاف الجلد المصطبغ".
ويحاول والد فاطمة الزهراء والذي انخرط في العمل مع هيئات مدنية، بعد إصابة ابنته بهذا المرض ويرأس جمعية تهتم بـ"أطفال القمر" في المغرب، مساعدة الأطفال وتزويدهم بأقنعة وكريمات واقية من الشمس، بقدر المستطاع.
التواصل والتوعية
وقبل سنوات قليلة، كانت فاطمة تعاني من التنمر في الشارع من طرف بعض الأشخاص، بسبب شكل وجهها الذي تنتشر عليه بقع بنية، نتيجة الطفرة الجينية التي تجعل الجلد رقيقا ومعرضا للحروق بمجرد التعرض لأشعة الشمس.
وكانت النظرة السلبية للبعض تترك أثرا نفسيا على فاطمة الزهراء، خلال فترة المراهقة، وهو ما تمكنت اليوم من تجاوزه بفضل عزيمتها وتمسكها بالحياة.
ولم تكتف الشابة بتحدي المرض فحسب، حيث بادرت إلى التوعية عبر صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي بالمرض، ومحاولة إلهام أشخاص آخرين يعشون نفس التجربة والظروف.
وبابتسامة لا تفارق محياها، تسعى فاطمة من خلال مشاركة تجربتها مع الآخرين والتوعية بمرضها إلى نشر طاقة إيجابية بين الناس، من خلال تبادل المعلومات والصور معهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
تقول فاطمة " لقد لاحظت وعيا متزايدا اليوم لدى الناس أكثر من ذي قبل، غير أن ذلك يجب أن يوازيه اهتمام الجهات المسؤولة بالمشاكل التي يعاني منها أطفال القمر".
وتتطلع فاطمة مستقبلا إلى إحداث مراكز خاصة بهذه الفئة من الأطفال في المغرب، على أن تكون مجهزة بجميع الاحتياجات والاحتياطات الضرورية التي تمكنهم من العيش في أمان، وتوفر لهم الظروف المناسبة من أجل إتمام دراستهم، إسوة بباقي الأطفال.