تراهن القنوات التلفزيونية المغربية، خلال شهر رمضان، على الإنتاج الدرامي الوطني بمختلف أشكاله وأنواعه؛ من أجل تقديم الفرجة للمشاهد المغربي، لكن الانتقادات تتجدد كل سنة لما يُوصف بـ"الإنتاج الضعيف فنيًا".
وتتنوع العروض بين أشرطة وكبسولات، في مسعى إلى ضمان نسبة كبيرة من المشاهدة خلال هذا رمضان، وهو الإنتاج الذي استمر رغم أزمة كورونا.
وتضافرت جهود المسؤولين على توفير المناخ الملائم لمن يعملون في القطاع، لأجل تصوير نسبة مهمة من الإنتاجات المغربية، التي عرض بعضها قبل رمضان، وسيعرض أغلبها خلال شهر الصيام.
وتعرض القنوات التلفزيونية المغربية خلال هذه السنة، نسبة كبيرة من الأعمال الوطنية، وقال مسؤولون في القنوات إن نسبتها تتجاوز 80 في المئة من مجموع الإنتاج.
لكن منتقدي الإنتاج الرمضاني في المغرب، يقولون إن العبرة بالكيف وليست بالكم، لأن الأعمال التي تعرض في شهر رمضان، تكون "مبتذلة"، بحسب قولهم، ولا تقدم معالجة عميقة لقضايا اجتماعية، كما لا تنتزع ضحكة ممن يشاهدون، والسبب هو السيناريوهات في مقام أول، ثم إنجاز هذه الأعمال في فترات سريعة.
أعلنت القناة الأولى عن برمجة "استثنائية" لهذا الشهر ، تضم باقة متنوعة من البرامج الجديدة بطاقات مغربية في الكتابة والإخراج والتمثيل وتنفيذ الإنتاج، والشيء نفسه أعلنت عنه القناة الثانية "M2" ، التي ستوفر للمشاهدين المغاربة باقة متنوعة من البرامج تتمثل في اثني عشر برنامجا دراميا جديدً، عبارة عن مسلسلات أصلية ومسلسلات كوميدية وبرامج فكاهية، تستجيب للإقبال المتزايد على التلفزيون، ولمتطلبات المشاهد المغربي، الذي أصبح يطالب بإنتاجات في المستوى؛ كما وكيفا.
المخرج والممثل المغربي إدريس الروخ، الذي قدم مجموعة مهمة من الأعمال الدرامية للتلفزيون المغربي، ومخرج عملين سيعرضان خلال شهر رمضان على القناة الأولى، وهما سلسلتا "دار الهنا"، ومسلسل "بنات العساس"، يقول في تصريح لـ "سكاي نيوز عربية" إن هناك اهتماما كبيرا في السنوات الأخيرة بالإنتاج المغربي وتحديدا الدراما التلفزيونية، التي أصبح لها موقع آخر ضمن خارطة الإنتاجات الدرامية العربية، لدرجة يمكن القول معها إن "الرهان أصبح أكبر على أن تكون لدينا نهضة درامية تلفزيونية مغربية على مستوى الكم والكيف".
ويشير الروخ إلى أن هذا الرهان الذي يلاحظ بشكل كبير في شهر رمضان "بدأ يمتد إلى خارجه من أشهر السنة، حيث بتنا نشاهد أعمالا درامية مغربية على طول السنة في القنوات المغربية، تحظى بالمتابعة وتقدم بطرق عصرية ذات نفحة تنافس الدراما العربية، لأنها أصبحت قريبة مما يحدث في العالم، وليس في المغرب فحسب، كما أن هناك تراكمات وتجارب وخبرات وتنافسية إبداعية فنية تخضع لمساءلة المشاهدين والنقاد والمتتبعين، لدرجة يمكن القول معها إننا أصبحنا أمام بركان إبداعي فني ونقدي مهم جدا لا يمكن لنا إلا نفتخر به، لأنه هو الذي يعطي القيمة للدراما المغربية التي سيكون لها شأن مستقبلا على المستوى الوطني والعربي".
وعن جائحة كورونا التي أربكت العالم، وخلقت الكثير من الشكوك حول استمرارية الإنتاجات الفنية، يذكر المخرج إدريس الروخ أن الجائحة أوقفت حركة الإنتاج الدرامي في البداية، وكانت بمثابة السكتة القلبية، وأنه لولا جهود مجموعة من الفاعلين، وتحدي إنتاج بعض الأعمال التلفزيونية، لما تمكنا من إنتاج مجموعة من الأعمال الدرامية المهمة، التي يعرض البعض منها منذ فترة في القنوات التلفزيونية المغربية، وبعضها سيعرض بشكل حصري خلال شهر رمضان.
ومن جهته يرى الناقد والمخرج المغربي، عبد الإله الجوهري، أن الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون تراهن منذ سنوات على مختلف الأعمال التلفزيونية المغربية، وأن وتيرته ارتفعت في الثلاث سنوات الأخيرة، حيث تقدم القناة الأولى في رمضان هذا العام خمس مسلسلات، وسلسلتين، ولكن مع ذلك يظل سؤال الجودة مطروحا.
ويشير الجوهري في تصريح لـ "سكاي نيوز عربية" إلى أن الملاحظ على هذه الأعمال هو "مراهنتها على الوجوه نفسها من الممثلين، وهو ما يجعل الكثير من الخريجين الشباب من المعهد العالي للمسرح والتنشيط الثقافي، يعانون من العطالة الفنية، ومنهم من لم يشتغل منذ ثلاث أو أربع سنوات في أي عمل"، لذلك يدعو الجوهري مسؤولي القنوات إلى ركوب مغامرة الرهان على الوجوه الجديدة، التي أثبتت جدارتها في مجموعة من الأعمال في السنوات الأخيرة، وعدم الامتثال لشروط المعلنين، الذين يلزمون القنوات بوجوه معينة تقدم لهم منتوجاتهم طيلة السنة.
أما الناقد الفني المغربي أحمد سيجلماسي فيرى أنه رغم الحراك الفني الذي يشهده المغرب في السنوات الأخيرة، وتراجع اعتماده على الإنتاجات العربية أو الأجنبية المدبلجة، فإنه لم يستطع بعد أن "يخلق صناعة سينمائية وتلفزيونية بمختلف أنواعها، رغم أنه يتوفر على مقومات هذه الصناعة، والمتمثلة في خريجي المعاهد من تقنيين، وكتاب سيناريو، ومخرجين، وممثلين".
ويوضح سيجلماسي أن الرهان على الإنتاج المحلي أمر معقول ومستحب، ويقول في تصريح لـ "سكاي نيوز عربية" إن حلقات الإنتاج التلفزيوني المغربي تحتاج إلى التغيير، كما أن "دفاتر التحملات الملزمة للقنوات بالكثير من الشروط عليها التخفيف من مجموعة من العراقيل التي تجعل شركات محسوبة على رؤوس الأصابع هي التي تستفيد من كعكة الإنتاج الوطني، وهي المهيمنة، ولهذا نرى الوجوه نفسها تتكرر في أكثر من عمل".
ويؤكد سيجلماسي أن المغرب لا يتوفر على شركات حقيقية للإنتاج، بل على شركات تنفيذ الإنتاج، ويظل المنتج الحقيقي هو الدولة، من خلال الدعم المرصود للقنوات، لهذا نجد العديد من الفنانين المغاربة يحتجون ويطالبون بإعادة النظر في طرق توزيع هذا الدعم، حاثين على الشفافية وتكافؤ الفرص.
وفي رده على تكرار الوجوه نفسها في أكثر من عمل تلفزيوني، يقول المخرج إدريس الروخ بأنه "ليس بالشيء السلبي، وأن كل صناع الدراما في العالم يعرفون بأن قيمة الدراما تكمن في قيمة نجومها، الذين يعطون قيمة إضافية للعمل، ولهذا فالاستثمار في إمكانياتهم كان منذ سنوات، ولهذا يجب التركيز على استثمارهم في الدراما التلفزيونية أيضا، وهذا لا يمنع من وجود فلتات فنية واكتشافات جديدة، وهذا ما يحدث كل سنة بالمغرب، حيث أثبتت التجربة أنه في كل سنة تظهر مواهب شابة جديدة، تبرهن على عطائها وعلى أحقيتها في المشهد التلفزيوني.".
وأضاف "لا ننسى أن الرجوع إلى الرواد والأصل يمنح قوة كبيرة في تنوع ورصانة العمل التلفزيوني، فهذه التوليفة المهمة من الاختيارات في العمل التلفزيوني، هي التي تعطي القوة والقدرة على المتابعة وخلق انسجام داخل الشخصيات والحكاية والعمل ككل، وتعطينا أكثر فأكثر فهما واضحا لخريطة الدراما التلفزيونية بالمغرب".
ويخلص الروخ إلى أنه يمكن اليوم الحديث عن سوق للدراما التلفزيونية المغربية، وطلب على الاشتغال في التلفزيون من طرف العديد من الخريجين، لهذا يجب أن تتوفر لدينا الكثير من الأعمال حتى تتحقق فرص الشغل للكثيرين، لأننا بكل تأكيد، كما يقول: "سنحقق من خلالها مكانتنا الطبيعية، وهي الريادة في الدراما، وهذا ما أتمناه فعلا، وأتمنى أن نصبح صناعا حقيقيين للدراما في التلفزيون، وننافس بها، لهذا يجب أن تكون لدينا أعمال كثيرة وقنوات متعددة تقدمها، وتكون هناك استثمارات حقيقية في هذا المجال".