"الفن يمسح عن الروح غبار الحياة اليومية" كما قال بابلو بيكاسو.. وفي سوريا، وفي ظل ظلام الحرب والجائحة، لا تزال شمس الإبداع الفني تشرق هناك، علها تمسح أو تخفف عن الأرواح عتمة الصراع وآثاره المُدمرة، وتبعث برسائل "جمال" تتحدى قبح المشهد.
نازك العلي، واحدة من أولئك اللاتي حرصن على أن يبعثن رسائل خاصة عبر الفن، مملوءة بالبهجة والحيوية التي لم تفت سنوات الحرب في عضدها، فترسم لوحات راقصة بالشارع، مُتحدية الظروف كافة، بما في ذلك النظرة المجتمعية التي عادة ما تقولب المرأة في بعض المجتمعات في إطار مُعين تحدوه تابوهات مختلفة.
برقصات باليه في العلن ومن شوارع المدينة، أرادت الفتاة السورية العشرينية أن تعكس معاناة الناس والظروف الداخلية هناك، وترسل عدة رسائل خاصة تحت عنوان "السلام" تثير من خلالها البهجة، كما أرادت أن تعبر عن شغفها بالرقص وتشجع أخريات على تعلم فن الباليه.
نازك العلي، من مدينة القامشلي (شمال شرقي سوريا)، تقول عن نفسها إنها "أول فتاة كردية تلعب رقص الباليه" وتخوض غمار التجربة من الشارع في العلن وبشكل مباشر، بصورٍ تم تداولها وأثارت تعليقات متباينة، ورقصات مثلت تحدياً كبيراً لها.
لفتت العلي الأنظار إليها مع تداول صورها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهي تقدم رقصات الباليه في شوارع المدينة، وتفاوتت ردود الأفعال بين منبهرين بجمال الصورة وروعة الأداء، وآخرين منتقدين كون الواقعة غريبة عليهم بشكل كبير وهي الأولى من نوعها بشوارع المدينة، ما تطلب جرأة من قبل صاحبتها التي واجهت ذلك كتحدٍ عليها أن تكسبه.
"الرقص هو شغفي في الحياة.. إذا مو موجود الرقص كل شيء عدم"، تقول العلي (صاحبة الـ 21 عاماً) لدى حديثها مع موقع سكاي نيوز عربية، إنها تعشق رقص الباليه، وأرادت أن تتحدى الصعوبات كافة، ما بين الحرب ووباء كورونا، وتجعل العالم يشاهد ذلك، وكيف أن السلام ممكن.
وتشير العلي (التي تدرس الكيمياء في سوريا، في الصف الثاني)، إنها بنهاية العام 2018 بدأت من خلال فرقة في سوريا، تقدم عروضاً بالشام وحلب، وظلت بالفرقة حتى حلت جائحة كورونا، والتي اضطرت معها إلى العودة إلى مدينتها، لاستكمال ما بدأته هناك، ولإضفاء لمساتها على مدينة أظلمتها الجائحة.
"كانت شوارع المدينة كلها ظلام وعتمة.. فقدمت لوحة برأس السنة بعنوان السلام.. وبعدها قدمت لوحة بعنوان الحب"، تصف العلي كيف وجدت شوارع مدينتها في ظل ظروف الأزمة ووباء كورونا، وكيف أنها أرادت وضع لمسة جمال على ذلك الواقع من خلال رقصات الباليه، التي تشكل بها لوحة فنيّة خطفت الأنظار.
وتردف: "حالياً حبيت أن يشاهد كل العالم إنه رغم كل الصعوبات بالحياة فينا نوصل للسلام إذا قدرنا نحمي حالنا سواء حرب بالسلاح أو حرب بالمرض".
وبموازاة ذلك، تتحدث راقصة الباليه الكردية في معرض تصريحاتها لموقع سكاي نيوز عربية، عن التحديات التي واجهتها أثناء تقديم لوحاتها الراقصة، في ظل النظرة المجتمعية التي تضع المرأة في قوالب معينة في كثير من الأحيان، لكنها تستطرد قائلة: "لكن بالنهاية الدعم والتشجيع الذي حصلت عليه من قبل أشخاص يفهموا بالفن عم يغلب على نقد أشخاص آخرين".
وتردف: "رقص الباليه يجلب السعادة؛ لأنه يقضي على التوتر والوحدة"، مشيرة إلى أنها "تحدَّت الكثيرين" من أجل أن تفعل ما تحبه وأن تقدم تلك اللوحات، وتقدم رسائل الجمال والحب والسلام من خلالها للعالم. وعن طموحاتها المستقبلية، تتمنى العلي أن تكون هناك مدرسة أو جامعة لتعليم فن البالية في مدينتها.