يشعر مُرمم الآثار صلاح سالم بالفخر لمشاركته في ترميم الكباش التي تُزين ميدان التحرير في قلب القاهرة، من أجل استقبال موكب المومياوات الملكية قبل نقلها إلى المتحف القومي للحضارة المصرية، تلك لحظة منشودة احتاجت إلى كثير من الجهد رفقة زملائه لخروجها بصورة لائقة.
وأعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية أن طقوس الاحتفال بانطلاق موكب المومياوات الملكية ستشهد إزاحة الستار عن تماثيل الكباش الأربعة وإضاءتها، فضلا عن إطلاق أعيرة نارية تحية للملوك العظماء، وفقا لبيان رسمي.
وكانت الحكومة المصرية قررت في ديسمبر عام 2019 نقل الكباش من خلف الصرح الأول بمعابد الكرنك في محافظة الأقصر، ضمن خطة وضعت لتطوير ميدان التحرير بالقاهرة، ثم جاء القرار باستخدامها كنقطة رئيسية في استقبال الموكب التاريخي.
ويسرد سالم لموقع "سكاي نيوز عربية" آلية اختيار الكباش من بين 33 تمثالا موجودة خلف الصرح الأول بمعابد الكرنك، ورحلة ترميمها في الأقصر ثم عملية النقل واستكمال جهودهم عند استقرار التماثيل الأربعة داخل المتحف المصري، قبل أن تستقر في قلب ميدان التحرير.
ويقول مرمم الآثار بالكرنك لموقع "سكاي نيوز عربية": "من الوهلة الأولى وقع الاختيار على الكباش التي لم تظهر من قَبل أمام زوار الكرنك، ليُكشف النقاب عنها للمرة الأولى في ميدان التحرير".
ويضيف الرجل الثلاثيني الذي يعمل في مجال الترميم منذ 19 عاما: "عكفت ضمن فريق من أمهر مُرممي الآثار على إتمام عملية التوثيق المناسبة لكل تمثال، سواء من خلال التصوير أو الرسم، لتحديد مظاهر التلف الموجودة قبل الانهماك في إصلاحها".
ويتابع سالم لموقع "سكاي نيوز عربية": "كان لابد من تفكيك الكباش الأربعة من مكانها بطريقة ميكانيكية لوضعها على (مخدات) حجرية معزولة عن عوامل الرطوبة لحماية التماثيل أثناء عملية الترميم، بجانب إزالة الأتربة الكثيفة الموجود على الجزء السفلي منها".
وقضى سالم وزملاؤه أياما عديدة في معالجة عوامل التلف بالكباش وترميم الأجزاء المفقودة منها خاصة في الأقدام وتثبيت الأجزاء الأخرى المنفصلة عنها، ويقول عن ذلك:" كانت التماثيل في حالة سيئة تعاني من طرق ترميم خاطئة جرت في عقود سابقة، لذلك استخدمنا مواد حديثة باتت تستعمل لحماية الأثر مع مرور الزمن".
وعندما علم سالم بوجود الكباش في ميدان التحرير لاستقبال موكب المومياوات المصرية، خفق قلبه من السعادة، وعبر عن فرحته لموقع "سكاي نيوز عربية" قائلا: "يكفي أن يعرف ابني وأحفادي في المستقبل بمساهمتي في تلك التجربة الفريدة، هذه أشياء لا تقدر بثمن، وسأظل فخورا بها طوال عمري".
وسيضم الموكب الأسطوري 22 مومياء فرعونية ملكية تعود إلى عصور الأسر الـ 17 و18 و19 و20 في رحلة من ميدان التحرير إلى ميدان سيمون بوليفار القريب، والانطلاق بجانب كورنيش النيل بحي السيدة زينب مرورا بمنطقة سور مجرى العيون حتى تصل إلى مستقرها في متحف الحضارة المصرية بالفسطاط.
وبعد انتهاء المرحلة الأولى للترميم جاءت الخطوة الصعبة بنقل الكباش من معابد الكرنك إلى المتحف المصري بالقاهرة، وضعت وزارة السياحة والآثار خطة متكاملة لتلك المهمة، وفقا لزكي سعدي، مدير عام معابد الكرنك، والمشرف على ترميم "كباش التحرير" من أجل الحفاظ على سلامة التماثيل.
ويقول سعدي لموقع "سكاي نيوز عربية": "تمت عملية النقل في عربات مخصصة لذلك، بعد وضع كل تمثال في صندوق خشبي مُصمم لذلك، بجانب التنسيق مع شرطة السياحة لتأمين خط سير الكباش حتى تسليمها في المتحف المصري بميدان التحرير".
ولم تنتهِ مهمة رجال الكرنك مع الكباش، بعد فترة قصيرة انتقلوا خلفها في المتحف المصري، كما يؤكد المشرف على عملية الترميم لموقع "سكاي نيوز عربية" لاستكمال المراحل الأخيرة وتجهيز التماثيل لوضعها في ميدان التحرير، بينما يطغى الحماس عليهم لمساهمتهم في حدث بالغ الأهمية.
ويردف مدير معابد الكرنك: "استغرقت المرحلة الثانية نحو 10 أيام متتالية من العمل لترميم بعض الأجزاء التي يجب تنفيذها بمنطقة تنصيب التماثيل، خوفا من تعرضها للتلف أثناء النقل، ونجحنا في تجهيز الكباش لتزين ميدان التحرير".
وفي مايو الماضي، نُقلت الكباش الأربعة مرة ثانية لمسافة قصيرة وسط ميدان التحرير، وجرى التركيب على قواعد مخصصة لها رفقة مسلة الملك رمسيس الثاني، وتم تغليفها بصناديق خشبية حتى موعد افتتاح مشروع تطوير ميدان التحرير واستقبال موكب المومياوات الملكية.
ويثمن زكي الدعم الكبير من قِبل الدكتور مصطفى الوزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، أثناء انهماك أفراد الفريق في ترميم الكباش الأربعة، من خلال الإشادة بخطواتهم وجهودهم لإتمام العمل بطريقة مميزة وتوفير كافة الإمكانيات والمواد المطلوبة خلال التجربة.
وعند الموعد المُحدد لنقل المومياوات الملكية، سيجلس مدير معابد الكرنك رفقة زملائه وذويه أمام شاشات التلفزيون، يترقبون ظهور الموكب بينما أعينهم ستبقى مشدوهة تجاه الكباش في المشهد الذي يتابعه العالم بأكمله، وفقا لحديثه لـ "موقع سكاي نيوز عربية".