تغيب عن بيوت السوريين صنوف الأطعمة التي اشتهرت موائدهم العامرة في الماضي بها، بسبب ارتفاع تكاليف الخضراوات واللحوم التي استغنوا عنها بنكهات مرقة اللحم والتوابل.
ومع اقتراب شهر رمضان الفضيل، تشهد البلاد غلاء معيشيا فاحشا وتدهورا اقتصاديا، إذ ارتفعت أسعار المواد الغذائية، خاصة اللحوم، إلى أرقام خيالية.
كما عاودت الليرة السورية هبوطها أمام العملات الأجنبية، مما يؤرق السوريين، خاصة العاملين في مؤسسات الدولة ممن يتقاضون رواتب تنحدر قيمتها الى الهاوية مع كل ارتفاع للدولار الأميركي.
وشكت عائلات من مساكن برزة في العاصمة دمشق، لموقع "سكاي نيوز عربية"، من غياب الحلول طويلة الأمد للأزمة الاقتصادية، مما يهدد السوريين بالجوع بعد تلاشي الطبقة الوسطى، التي كانت دعامة الاقتصاد، لافتين إلى أن الكثير من الناس "يموتون جوعا في بيوتهم بسبب انتشار البطالة وارتفاع الأسعار الجنوني وانعدام فرص العمل".
سميرة، وهي مدرسة لمادة التربية الدينية، وقد فضلت عدم الكشف عن اسمها الثاني لموقع "سكاي نيوز عربية"، قالت إن راتبها لا يغطي تكاليف "طبخة واحدة في الشهر".
وأضافت: "عائلتي مؤلفة من 10 أشخاص، نحتاج في اليوم إلى 4 ربطات من الخبز، وفي حال طبخنا (المحاشي) فنحتاج لخمسين ألف ليرة سورية لوجبة غداء من الكوسا والباذنجان والأرز واللحم، الذي وصل الكيلو الواحد منه إلى 25 ألف ليرة سورية".
كما أشارت إلى أن علبة السمن وصل سعرها إلى 170 ألف ليرة سورية، وعبوة الزيت واحد لتر أصبحت بـ15 ألف ليرة سورية، موضحة أن راتبها الشهري لا يكفي لشراء 5 لترات من الزيت.
وقالت سميرة إن شقيقتها المهاجرة إلى بريطانيا هي من تتكفل بإرسال مبلغ 200 دولار شهريا، أي ما يعادل أكثر من 700 ألف ليرة سورية، عن طريق تجار في السوق السوداء لديهم أقارب في المملكة المتحدة، لكن التاجر يستغل حاجتها وغيرها ويسلمها مبلغ 400 ألف فقط.
وأكدت أن "دعم شقيقتها المادي هو ما ساند عائلتها في مواجهة شبح المجاعة، مع بقاء رواتب الموظفين على حالها، والتي في حال زيادتها بنسبة 100 بالمئة، فلن تساند محنة السوريين الاقتصادية".
لحم الفقراء
من جانبها، تقدم عدة عائلات من حلب، لموقع "سكاي نيوز عربية"، نظرة تفصيلية على تكاليف بعض الطبخات الحلبية.
وأوضحت أن تكلفة طبخة "الكبة الحلبية" الشهيرة، والتي باتت حلم الحلبيين على موائدهم حتى في المناسبات، تبلغ أكثر من 70 ألف ليرة لوجبة لثمانية أشخاص، فيما تكلف "المحاشي" 50 ألف ليرة، وطبخة "الكواج" الأرخص بلغت عتبة الـ20 ألفا.
وبدوره، تحدث لؤي العلي، وهو اسم مستعار لبائع خضراوات من مدينة حلب، عن استغنائه عن شراء اللحوم بسبب ارتفاع ثمنها، واستبدالها بالعدس، المعروف بـ"لحم الفقراء"، لفوائده الغذائية المشابهة لما تحتويه اللحوم.
ولفت إلى أن ثمن الكيلو الواحد منه ليس رخيصا، إذ يبلغ 4000 ليرة سورية، لكنه الأرخص مقارنة مع بقية المواد الغذائية.
وأشار العلي إلى أن كيلو "الفروج" (الدجاج) وصل إلى 6000 ليرة سورية، والسمك إلى 8000 ليرة. أما أحشاء الذبائح فقد وصل سعرها إلى 30 ألف ليرة، وهي لا تكفي لوجبة غداء لأربعة أشخاص.
ووصف البائع البالغ من العمر 50 عاما، أسعار المواد الغذائية في محلات البيع بالجملة، بـ"شيء يقصف (يقصر) العمر".
وبيّن العلي غياب العبوات الصغيرة من السمنة والزيت من أغلب المحال، منوها إلى أن أسعار "تنكة" السمنة (العبوة) التي تحتوي 16 كيلوغرام، بـ170 ألف ليرة، فيما تباع عبوات زيت دوار الشمس سعة 16 لترا بسعر 140 ألف ليرة. كما تباع 5 كيلوغرامات من التمور بسعر يتراوح ما بين 25 إلى 35 ألف ليرة.
50 ضعفا
وحذر الخبير الاقتصادي السوري، العميد السابق لكلية إدارة الأعمال في الجامعة العربية الدولية، مهيب صالحة، من الوضع المعيشي للأسرة السورية، قائلا إنه بلغ "حدا من التدهور لا مثيل له، إذ أصبح غالبية السكان بعوز غذائي شديد الخطورة ما لم تصلهم مساعدات".
ووضح في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن الوضع "يزداد خطورة، لاسيما في مخيمات النازحين وعلى ذوي الدخل المحدود من العاملين في الدولة وفي قطاع الأعمال، وهم أكثر الفئات الاجتماعية تضررا من تردي الوضع الاقتصادي والارتفاع الجنوني لأسعار السلع والخدمات".
واشار مهيب إلى أن الأسعار تضاعفت أكثر من 40 أو 50 ضعفا، بينما الرواتب والأجور وما في حكمها لم تتجاوز 4 أو 5 أضعاف.
ولا يتجاوز متوسط الدخل الشهري للعاملين في الدولة وفي قطاع الأعمال 60-70 ألف ليرة سورية، بينما تحتاج أسرة مؤلفة من خمسة أشخاص لـ600 ألف ليرة كأقل تقدير، لتأمين أبسط مقومات الحياة اليومية.
ويعني هذا أن هناك عجزا في ميزانية الأسرة السورية الشهرية، لا يقل عن 500 ألف ليرة.
وكان برنامج الأغذية العالمي(WFP) التابع لمنظمة الأمم المتحدة، قد ناشد عبر بيان له، بتقديم مساعدات غذائية عاجلة للسوريين الذين يواجه الملايين منهم ظروفا إنسانية سيئة، منذ بداية الأزمة في بلادهم.
وقالت المنظمة إن 60 بالمئة من المواطنين، أي حوالي 12.4 مليون شخص، "لا يعلمون متى سيحصلون على وجبتهم التالية"، بسبب تدهور الوضع الإنساني والارتفاع الجنوني لأسعار المواد الغذائية، التي بلغت نسبتها 222 بالمئة خلال عام.