على أنغام موسيقى عربية كلاسيكية، تضع غزلان قطع دجاج مع خضر مشكلة في مقلاة على النار، بينما تشرف خديجة على الانتهاء من تحضير بسطيلة السمك، تكلفة الزاهية بتجهيز حشوات الفطائر، أما مليكة فتضع اللمسات الأخيرة على تحلية "التيراميسو" التي تبدع في إعدادها.
وكخلية نحل نشيطة تشتغل النساء الأربعة بشغف وحماس، إلى جانب نساء أخريات، لكل واحدة منهن مهمة محددة، تقودهن سهام مفتاحي التي تشرف بتركيز عال على كل كبيرة وصغيرة، وتقدم التوجيه والنصح لهن داخل مطبخ الورشة الخاصة بالتدريب على فنون الطهي بمدينة الدار البيضاء، وسط المغرب.
تقول غزلان مومين، إحدى المستفيدات من التدريب والأم لطفل من أصحاب الهمم لموقع "سكاي نيوز عربية": "هذا البرنامج منحني فرصة لاكتشاف فن صناعة الطعام، كما مكنني من تعلم عدد من المهارات والتعرف على أسرار المطبخ المغربي والعالمي، إضافة إلى اكتسابي قدرة على الاشتغال ضمن فريق عمل واحد".
وتحكي غزلان البالغة من العمر 41 عاما، أنها أصبحت وبفضل هذا البرنامج قادرة على الحصول على دخل مادي يساعدها على توفير حاجياتها الأساسية، وهي تطمح اليوم لإنشاء مشروعها بإمكانات ذاتية مع استمرارها في العمل مع مؤسسة "ماميام" رفقة زميلاتها اللواتي أصبحن بمثابة أسرتها الثانية.
غزلان، مليكة، الزاهية وخديجة، هن نساء يعشن ظروفا اجتماعية خاصة، منحت لهن الفرصة هذا العام للاستفادة من برنامج "ماميام" لتعليم فن الطهي ومهارات تسير مشاريع صغيرة، بهدف التمكين الاقتصادي للنساء ومساعدتهن على خلق مشاريعهن الخاصة.
دعم النساء في وضعية صعبة
وتقوم فكرة مؤسسة "ماميام" على تدريب النساء في وضعية صعبة، وتكوينهن في مجال الطبخ عبر تلقينهن فنون الطهي وتسير المقاولات وتسويق منتوجاتها، وتحسين مهارات التواصل لديهن، من أجل إعدادهن لولوج سوق الشغل، وخلق مشاريع مدرة للدخل، وتحقيق استقلالية مادية.
تقول سهام مفتاحي، المسؤولة عن مؤسسة "ماميام"، إن فكرة المشروع مستوحاة من تجربة في الهند، وتضيف: "قمنا بالاشتغال على تلك الفكرة وملائمتها لتناسب مجتمعنا المغربي، وبما يتيح للنساء في المغرب من إثبات مهارتهن وتحقيق ذواتهن في مجال الطبخ".
وتشير مفتاحي في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية"، إلى أن "بداية المشروع كانت سنة 2017، وشمل عشر مستفيدات، وبعدها بعامين أصبح يتوفر على إطار قانوني وضم عددا أكبر من النساء ومن فئات أوسع".
ورغم الصعوبات التي واجهت المشروع في بدايته، إلا أنه تمكن من الصمود أمام كل التحديات، كما كان للدعم الذي تقدمه إحدى المؤسسات المغربية الخيرية للأفكار الاجتماعية المبتكرة، الدور الكبير في تطوير المشروع وفي تسريع وثيرته.
اختيار المستفيدات
وتنتمي المستفيدات من التدريب، والذي يستمر لمدة عام، لجمعيات مدنية تحتضنهن وتعنى بقضايهن، والتي تقترح على مؤسسة "ماميام" لائحة أولية بأسماء المرشحات.
وتقوم المؤسسة في مرحلة ثانية بإخضاع النساء المرشحات لاختبار أولي في شكل لقاء مباشر، قبل مرروهن في مرحلة أخيرة أمام لجنة تحكيم، في اختبار مدته حوالي 15 دقيقة لكل مرشحة.
وتعتمد اللجنة في اختيارها للمستفيدات من التدريب في فن الطبخ والتسيير المقاولاتي، حسب المشرفة على "مايمارم" على عدة معايير في مقدمتها، إصرارهن على تجاوز كل الصعاب والظروف الاجتماعية التي مررن بها، ومدى قدرتهن على التعلم وتطوير أنفسهن والانخراط بشكل كلي في التدريب الذي تصل مدته إلى عام.
وتستفيد النساء اللواتي يتم اختيارهن من تدريب مدته 8 ساعات في الأسبوع، يتوزع بين التدريب النظري في الطبخ الطبخ المغربي والعالمي، إلى جانب تكوين نظري في مجال المقاولات.
وتحصل النساء في نهاية الدورة التدريبية وبعد اجتيازهن لامتحانات تقيمية، على ديبلوم معترف به من طرف الدولة، كما تمنح لهن المساعدة الضرورية خلال ثلاث أشهر الأخيرة من فترة التكوين، على الإدماج المهني في سوق الشغل.
احتضان الأمهات وأطفالهن
تقول سهام مفتاحي إن المستفيدات من برنامج التدريب، هن نساء مررن من ظروف اجتماعية صعبة، منهن أرامل وأمهات عازبات وأمهات الأطفال من أصحاب الهمم، والذين يتخلى في غالب الأحيان الأب عنهم لتتحمل الأم مسؤولية رعايتهم بمفردها.
وتشير المشرفة على برنامج "ماميام"، إلى أن هناك عددا من النساء ممن لا يستطعن مسايرة التدريب بسبب صعوبات مادية وأخرى مرتبطة برعاية أطفالهن أثناء تواجدهن داخل مركز التدريب، حيث تطمح الشابة مستقبلا لإنشاء فضاء أوسع يمكنه أن يستقبل النساء طيلة مدة التدريب، ويوفر لهن خدمات متعددة ومتنوعة إلى جانب أبنائهن، لتجاوز كل العقبات التي تقف أمام طموحهن لتطور مستواهن وتحقيق استقلالية مادية.
وترى مفتاحي أن نجاح مثل هذه المبادرات والبرامج ذات الأهداف الاجتماعية، يقتضي دراسة دقيقة للمشروع و تحديد الأهداف مسبقا، مع التحلي بالكثير من الصبر في انتظار النتائج المتوخاة، والتمتع بروح المغامرة وعدم التخوف من خوض غمار تحديات الجديدة.