"سأخوض المعركةَ وسأحتمي في نفسي، في ذاتي، في قوتي، في عملي، في نجاحي"، بهذه الكلمات لخصت الراحلة نوال السعداوي حياتها الحافلة بمعارك قررت خوضها بشجاعة وتجرد، بحسب ما يرى البعض، في حين اعتبر آخرون أفكارها تسعى للاصطدام بالمجتمع.
ويفتح رحيل نوال السعداوي، الأحد، وهي في التسعين من عمرها، أبوابًا من تساؤلات عدة، حول السيدة التي لم تتوقف عن إثارة الجدل، بكتابات ونقاشات جريئة؛ إذ بدأ إنتاجها الفكري يتدفق في خمسينيات القرن الماضي، عندما ألّفت المجموعة القصصية "تعلمت الحب " عام 1957.
وعي ثوري
تشكل وعي السعداوي، في بيئة ثورية؛ فقد ولدت في قرية كفر طلحة، بمحافظة القليوبية شمالي القاهرة، في 31 أكتوبر عام 1931، وكان والدها الموظف بوزارة المعارف حينها، أحد الذي يناهضون الوجود الإنجليزي في مصر.
وتتركز حياة الأديبة المصرية الراحلة في محطات رئيسية؛ بداية من التحاقها بكلية الطب، ثم زواجها ثلاث مرات، ونشاطها السياسي والاجتماعي الممتد، ومؤلفاتها المثيرة التي تجاوزت الخمسين عملًا، ويعد أبرزها "مذكرات في سجن النساء".
اهتمام نسوي
حراك السعداوي النسوي كان لافتًا؛ إذ تعتبر أحد أهم منظري "الموجة النسوية الثانية"، ولعل كتابها "المرأة والجنس" الصادر في عام 1972 هو عنوان تلك المرحلة، واجهت فيه السعداوي جميع أنواع العنف التي تتعرض لها المرأة كالختان والطقوس الوحشية التي تقام في المجتمع الريفي للتأكد من عذرية.
وهنا يرى الكاتب حلمي النمنم، وزير الثقافة المصري الأسبق، أن قيمة نوال السعداوي الأساسية في الفكر العربي، تتمثل في اهتمامها بقضايا وحقوق المرأة منذ الخمسينيات، لافتًا إلى أنها لم تناقش قضايا المرأة من زوايا اجتماعية وسياسية على طريقة قاسم أمين، ومحمد عبد وأحمد لطفي السيد، لكنها تطرقت للمسائل التي نطلق عليها اليوم "القضايا النسوية".
ويضيف النمنم لموقع سكاي نيوز عربية، أن السعداوي واجهت تحديات عديدة لكنها صمدت، وتكلل نضالها اليوم بانتصارات في قضايا عديدة، مثل: ختان الإناث، ورفض زواج الأطفال، وقضايا الأحوال الشخصية، فكانت ترفض التعدد، وهو ما بدأ يتحقق اليوم، ويعكس مدى صحة وجهة نظرها، مؤكدًا أنها كانت جريئة وجسورة.
السعداوي والغرب
يذهب وزير الثقافة المصري الأسبق، إلى الحديث عن علاقة دعوة السعداوي التنويرية بالغرب، فيقول: "رغم أن القضايا التي ناقشتها السعداوي عادة ما يتبناها الغرب، لكنها فعلت ذلك من دون السقوط في حبائل الغرب، فلم تهادن الاستعمار يومًا، ولم تتحول إلى بوق استعماري ضد بلادها، أو ضد أي بلد عربي آخر".
ويتابع أنها ناضلت في كل القضايا على أرضية وطنية، فإذا كان الغرب يساند أفكارها، فهو الذي يفعل ذلك، فهي لم تتورط في مهادنة الغرب.
وعلى جانب آخر يقول النمنم إن هناك كثير من العاملين بالحقل العام، يعتبرون أن الشجاعة هي مواجهة السلطة السياسية فقط، "لكنني أرى أن الشجاعة الحقيقية هي مواجهة سلطة المجتمع، وعدم التورط في نفاقه، وإعلان مواقف تخالف القناعات الشخصية"، لافتًا إلى أن السعداوي كانت جسورة في تعبيرها عن أفكارها.
ويعود الكاتب المصري بالذاكرة إلى بداية الثمانينات عندما أسست نوال السعداوي جمعية تضامن المراة العربية، وكان حينها يحضر الندوات التي تنظمها الجمعية، واصفًا السعداوي بأنها "بنت بلد حقيقية"، وكانت تساعد الفتيات، وتستضيفهم في منزلها.
السقوط من الحركة النقدية
يصف النمنم حالة الأسى التي كانت تتملك السعداوي من حركة النقد العربي، فيقول إنها كانت لا ترى تقديرًا كاف يساوي جهودها، خاصة أنها كانت تقدر في العالم بأكمله، وعلى الرغم من ذلك كان يعتبرها النقاد العرب مناضلة أكثر منها روائية وأديبة.
كما يشير إلى كتاب "أنثى ضد الأنوثة" للناقد الراحل جورج طرابيشي، الذي قدم قراءة نقدية لأعمال السعداوي الأدبية، فكانت دائمة التعبير عن غضبها من هذا الكتاب.
ويتذكر واقعة ترشيحها لجائزة نوبل في نهايات حقبة عصر الرئيس مبارك، وحينها كتب عنها النمنم، وفوجئ بتواصلها معه، والتعبير عن سعادته بما كتب، فيقول الرجل: "على الرغم من ترشح السعداوي لجائزة نوبل للآداب بالفعل، إلا أنها كانت تسقط من أجندة الصحافة في كثير من الأحيان، في الوقت الذي كان يكتب عن بعض الأدباء رغم عدم ترشحهم".
تعثر نشر أعمالها
لسنوات عديدة توقفت نوال السعداوي عن النشر في مصر؛ بعد واقعة وقف كتاب الإله يقدم استقالته في اجتماع القمة" عام 2004، من وقتها عزف الناشرون المصريون عن التعامل معها، فتوجهت السعداوي إلى بيروت؛ لنشر أعمالها.
ويقول الناشر المصري، أحمد سعيد عبد المنعم، إن السعداوي بدأت النشر معه في عام 2012، بعدما وجدت في الدار التي يملكها "منشورات الربيع" جرأة في طرح القضايا الشائكة، وذلك عندما كتب مقدمة لكتاب "الشوارع الجانبية للميدان"، وكان سعيد ناشره.
ويشير عبد المنعم في حديثه لموقع سكاي نيوز عربية إلى تعاقده مع السعداوي، على نشر أحدث أعمالها حينها، وكان بعنوان "ملك وامرأة وإله"، الذي ناقش قضايا المرأة العربية والمصرية، في أعقاب أحداث الربيع العربي، ثم تعاقد معها على ست كتب أخرى، طبع منهم خمسة.
أسباب إهمال النخبة
ويعزي الناشر المصري أسباب عزوف النقاد عن أعمال السعداوي، إلى عدة أسباب، أهمها: أنها كانت تتعامل مع الجميع دون مراعاة المصالح، وتناولت هذه القضية في كتاب "ملك وامرأة وإله"، عندما تحدث عن الكباري مع السلطة والمثقفين.
ويتابع: "اليسار أيضًا الذي تحسب عليه السعداوي، كان يرفضها في الآونة الأخيرة، خاصة أن أجيال اليسار الجديدة، أصبحت أكثر تطرفًا وإقصاءً، باتت ترفض الأجيال القديمة من اليساريين وعلى رأسهم السعداوي بطبيعة الحال".
كما أن هناك سببًا آخر يرى عبد المنعم أنه كان مؤثرًا في مسيرة الكاتبة المصرية، فبحسب رأيه، لم يتتلمذ تحت يد السعداوي تلامذة من النخبة، يصعدون من اسمها طوال الوقت، على غرار ما حدث مع نجيب محفوظ و"شلة الحرافيش"؛ إذ هيمن أصدقاء محفوظ على المؤسسات الثقافية في مصر، ما ساعد الأديب المصري على الصعود، مؤكدًا أن هذا لا ينفي بالطبع أهمية محفوظ.
ويختتم عبد المنعم حديثه لموقع سكاي نيوز عربية أنه التقى السعداوي في منزلها منذ نحو أربعة أشهر تقريبًا، مشيرًا إلى أن حالتها النفسية كانت سيئة للغاية، بعد إصابة عينها، وكانت حينها مستاءة من الجميع.
مسيرة حافلة
تجدر الإشارة إلى أن مسيرة السعداوي الفكرية، كانت صاخبة بالعمل العام والنشاط الفكري والأكاديمي؛ حيث التحقت بالعمل في جامعة ديوك، وقسم اللغات الأفريقية في شمال كارولينا وأيضا جامعة واشنطن.
كما تبوأت أيضًا العديد من المراكز المرموقة في الحياة الأكاديمية سواء في جامعة القاهرة بمصر، أو في هارفارد، جامعة ييل، جامعة كولومبيا، جامعة السوربون، جامعة جورج تاون، جامعة ولاية فلوريدا، أو جامعة كاليفورنيا في خارج مصر.
وفي مارس من العام الماضي، اختارتها "مجلة تايم الأميركية" بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، مع آخرين ضمن قائمة الـ 100 امرأة الأكثر تأثيراً في العالم لعام 2020.