في تجربة جديدة ومختلفة في عالم الفن، يجتمع أطفال وشبان من مناطق مجاورة لموقع انفجار مرفأ بيروت في لبنان، ليسردوا ما عانوه في يوم الرابع من أغسطس، قبل أن يشاهدوها قصة مجسدة أمام أعينهم بأداء وأصوات مجموعة من الممثلين في خطوة علاجية أهدافها تضامنية اجتماعية بحتة.
وللمرة الأولى تسرد قصص عن الأسلحة والموت والخوف والبقاء والمشاجرات والعائلة والحب والعنف الأسري والتحرش الجنسي وغيرها من القصص المستمدة من واقع الحياة، وبعضها من الحرب الأهلية التي دارت رحاها في لبنان بين عامي 1975 و1990 أمام الجمهور، ويعيد تجسيدها شباب تدربوا على التمثيل الاارتجالي تتراوح أعمارهم بين 17 و24 عاما.
تجربة قصص الحرب هذه هي نتاج تعاون بين جمعية "لبن" وجمعية "محاربون من أجل السلام" للمسرح الارتجالي، في إطار مشروع "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي".
المتخصصة بالمسرح والعلاج النفسي بالدراما، مديرة جمعية "لبن" الممثلة اللبنانية فرح ورداني قالت لـ"سكاي نيوز عربية: "هذا النوع من الفن يرتكز على المسرح الارتجالي لكسر المحرمات التي لها علاقة بالتحدث عن الحرب وغيرها من القضايا التي يعاني منها المجتمع كالتحرش الجنسي والعنف الأسري.. كأن تجمع مثلا فرقاء حرب سابقين داخل قاعة واحدة يجلسون جنبا إلى جنب ليسردوا تجاربهم قبل أن يشاهدوها تجسد أمامهم بأداء وأصوات جيل جديد نشأ في لبنان جديد.. وحين تكون هناك إمكانية لنقل التجربة الذاتية فهذا شكل من أشكال العلاج المخفف".
التمثيل والرقص لخدمة قضايا المجتمع
ويعتمد هذا الفن على سرد قصص من المجتمع، واستخدام التمثيل والرقص والغناء والموسيقى لخدمة المجتمع ومناصرة القضايا الإنسانية المحقة.
وتضيف ورداني: "نجول بمسرحنا في لبنان، زرنا الأردن وإسبانيا وليبيا كوسيلة لمد الجسور بين الدول في محاولة متواضعة للتغيير"، مبرزة "لبن تأسست في عام 2009 وهي واحدة من شركاء مؤسسات غير حكومية ومنظمات محلية ودولية عديدة تعمل في المناطق اللبنانية بالتعاون مع جمعيتي -كفى- و-أبعاد-".
وتابعت: "لم يتوقف العمل في المسرح الارتجالي حتى في عز الثورة، وبسبب كوفيد-19 انتقلت العروض إلى طريقة الافتراضي".
وذكرت: "عرضنا مشاريع في مناطق تستضيف لاجئين سوريين في المخيمات، يعيشون في حال من البؤس وكان هدفنا جمع قصصهم والاستماع لهم وبناء جسور التواصل بينهم ".
وتوضح: "في طرابلس قمنا بجولة في المناطق التي عانت نزاعات مسلحة سابقة بغية تقريب وجهات النظر بين جميع الأطراف".
منع العنف الأسري
هذا وتتعاون "لبن" مع جمعية "كفى" ضمن حملة للضغط باتجاه سن قانون يجرم العنف الأسري ويمنع ويجرم تزويج القاصرات والعمل على مواضيع السلم الأهلي والبطالة والهجرة.
وفي هذا الصدد، ذكرت ورداني: "دمجنا مسرح المنتدى ومسرح الصورة فكانت تجربة مهمة وقدمنا عروضا في مناطق تعاني من وصمة الإرهاب وفيها عدد من الشبان الموقوفين في السجون كان يتم توجيههم للانخراط في المنظمات المسلحة.. ومن أكبر الإنجازات التي حققناها أننا تمكنا من إقناع البعض بترك العمل المسلح، وكانت تجربة ملهمة نفتخر بها".
أضرار انفجار مرفأ بيروت النفسية
وتعمل جمعية " لبن" اليوم على قصص المتضررين من انفجار الرابع من أغسطس في منطقة "الكرنتينا " بجوار مرفأ بيروت، وذلك من خلال مشروع هدفه دمج الأشخاص الموجودين في هذه المنطقة المتنوعة من الجنسيات والأقليات.
وتضيف ورداني: "الطريقة التي كانت قد بنيت عليها هذه المنطقة منذ الحرب الأهلية، والظلم اللاحق باللاجئين والعمال القاطنين في هذه المنطقة من مختلف الجنسيات الذين كانوا يعملون في المرفأ، تحتاج إلى علاج. ونحن نسمع قصصهم بمسار علاجي من خلال جلسات مع الشبان والشابات كي يساعدوا أنفسهم للخروج من الصدمة، على أن نصدر كتاباً عن القصص ونبني مجسماً يخلد تجربة سكان منطقة "الكرنتينا" وفيلماً وثائقياً عن المشروع وعن أهل هذه المنطقة المنكوبة لاحقاً".
كيف تتم إعادة تمثيل القصص؟
تُعرّف إحدى ممثلات "لبن"، غالية صعب، المسرح الارتجالي الفني على أنه: "شكل من أشكال المسرح يستمع فيه الممثل لقصص يرويها أفراد من الحضور تتمحور حول حياتهم الخاصة ثم يشاهدونها مباشرة على خشبة المسرح بتأدية وإعادة الممثل".
وتضيف صعب: "بعد انفجار مرفأ بيروت صرنا نجتمع في الاستديو كممثلين ويشاركنا الجمهور من بيته ونعمل مع الأشخاص المقيمين في منطقة الكرنتينا لحل المشاكل والنزاعات بعيدا عن العنصرية".