قد يمضي الممثل المحترف سنوات في البحث عن "فرصة العمر"، ولعب دور بطولة في فيلم سينمائي، يجوب العالم حاصدا الجوائز المرموقة، ولكن ماذا لو قدم هذا الدور على طبق من ذهب لشاب لم يقف يوما أمام الكامير..!
هذا ما حدث بالضبط مع فؤاد أوغاو، بطل الفيلم الأمازيغي "لم لا يهم إن نفقت البهائم" للمخرجة المغربية صوفيا علوي، الذي نال مؤخرا "جائزة سيزار"، قبل شهر على خوض غمار التنافس على "الأوسكار".
وفاز العمل، بجائزة "سيزار" لأحسن فيلم قصير، في الدورة السادسة والأربعين للجائزة المرموقة التي تمنحها أكاديمية الفنون وتقنيات السينما الفرنسية.
ويضاف هذا التتويج، إلى قائمة من الجوائز العالمية التي حصدها الفيلم الأمازيغي، المرشح للمنافسة على نيل أفضل "أوسكار" لفيلم قصير، في النسخة التي ستنظمها الأكاديمية الأميركية لفنون السينما وعلومها، أواخر أبريل المقبل.
صدفة خير من ألف ميعاد
قبل 3 سنوات استقبل فؤاد أوغاو، زبونة في مطعم والده المتواضع بمنطقة إملشيل الواقعة بقلب جبال الأطلس الكبير، ولم تكن هذه الزبونة سوى المخرجة المغربية صوفيا علوي، التي جاءت تبحث عن ضالتها في هذه المنطقة الخلابة لتصوير فيلمها المقبل.
وطلبت المخرجة من الشاب الذي يعمل، حين يتطلب الأمر كدليل سياحي، أن يرافقها في جولة لاستكشاف إملشيل، لكن عين المخرجة، لم تلتقط فقط الأماكن المناسبة لتصوير الفيلم، وإنما أيضا الشخص المناسب للعب دور البطولة.
ويحكي فؤاد (25 عاما) في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية" أنه تفاجأ حين عرضت عليه المخرجة الشابة المشاركة في الفيلم، خاصة أنه ليس ممثلا، ولم تكن له أية تجارب سابقة مع الكاميرا.
ولم تكتف المخرجة بالمغامرة ببطل مغمور لفيلمها، بل اختارت باقي الشخصيات من أسرة فؤاد (والديه وأخته) إلى جانب بعض سكان المنطقة.
وأرجعت صوفيا اختيارها لهذه الشخصيات إلى رغبتها في أن تنقل مشاهد حية تعبّر عن روح منطقة إملشيل.
ويحكي الفيلم "Qu'importe si les bêtes meurent"، وهو بشراكة مغربية فرنسية، قصة عبد الله، الشاب الراعي ووالده اللذين يفجعان بنفوق ماشيتهما في أعالي جبال الأطلس، وكنتيجة لهذه الأزمة يضطر عبد الله للذهاب بحثا عن العلف والمواد الغذائية، في قرية مجاورة قبل أن يتفاجأ بأن هذه القرية التجارية، أصبحت مهجورة بسبب حادث غامض.
وتعكس قصة العمل، البعد الخيالي الذي توظفه المخرجة المقيمة في فرنسا التي تنتقد باستمرار "الصور النمطية" التي تعج بها السينما المغربية.
امتحان الكاميرا
وعن الصعوبات التي واجهها في أول وقوف له أمام الكاميرا، يقول فؤاد: "لم أدرس السينما، ولكنني مشاهد نهم للأفلام السينمائية، ومشاهدتي للفيلم لا تقتصر على الفرجة، وإنما أحاول دائما تخيل كيفية تصوير المشاهد وأدوار البطل".
ويؤكد فؤاد أن هذا الغوص في الأعمال السينمائية، الذي مكنه من تعلم الحديث باللغة الإنجليزية، ساعده بشكل كبير في أداء مرن أمام الكاميرا.
وأضاف أنه أحيانا، كان يؤدي بشكل مقنع، بحيث لا يضطر لإعادة المشهد مرتين، معتبرا أن سر النجاح أمام الكاميرا هو التعبير عن الأحاسيس بكل صدق، ومعرفة ماذا يريد المخرج بالضبط، كما ساهم لعب الأداء باللغة الأمازيغية، والتصوير في البيئة الأم له، في إتقانه للمشاهد.
ولا يخفي الشاب الأمازيغي، أن تجربة فيلم "لا يهم إن نفقت البهائم" أيقظت فيه رغبة ملحة لإتمام دراسته، بعدما اضطرته ظروف الحياة، إلى ترك التعليم قبل الحصول على شهادة الثانوية.
خيبة أمل
ويراقب فؤاد من مسقط رأسه في إملشيل، النجاحات التي يحققها الفيلم القصير الذي لعب فيه دور البطولة، لكنه لم يحضر في أي من التظاهرات الثقافية التي توج فيها العمل، ويؤكد أن "المقابل المادي الذي حصل عليه برفقة أسرته لقاء المشاركة في العمل، لم يكن في مستوى النجاح الذي ناله الفيلم".
وإلى جانب آخر تتويج له في حفل "سيزار"، فاز فيلم " لا يهم إن نفقت البهائم" بعدة جوائز، حيث نال الجائزة الكبرى للجنة التحكيم في المسابقة الدولية لمهرجان "صندانس" السينمائي بالولايات المتحدة،.
وشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان "كليرمون فيران" الدولي للفيلم القصير بفبراير 2020، وهو أكبر ملتقى للأفلام القصيرة في العالم، قبل المشاركة في المهرجان المغربي للسينما بطنجة العام الماضي، ثم في مهرجان ساو باولو الدولي للفيلم القصير بأغسطس المنصرم، ومهرجان نامور الدولي للفيلم الفرنكوفوني بأكتوبر 2020.
وبعد ظهوره "المميز" في الفيلم لم يحظى فؤاد إلا بمشهد قصير جدا، في عمل ثان لنفس المخرجة، صورته بإملشيل، حيث يؤكد أنه لم يتلق أي اتصال من مخرج آخر.
ولا يخفي فؤاد اعتزازه بأدائه الجيد في أول تجربة فنية، وبالنجاحات التي حققها العمل، ويتطلع في المستقبل إلى أن ينال إعجاب أحد المخرجين العالميين، ويذهب بعيدا في حلمه لأن ينال دورا ولو ثانويا، في هوليوود.