قبل خمس سنوات، كانت العازفة المصرية روسيلا عادل سمير وهي في الثامنة عشر من عمرها، تقف أمام عدد من أساتذتها العازفين لقيادة "أوركسترا التدريب" توجّههم وترشدهم وتشير إلى أي أخطاء ربما من تسرّع أحدهم. نظرات الأمل كانت حاضرة من الجميع، يشيرون إليها وإلى قيادتها وفي عيونهم جميعا تلمع نظرة برّاقة "ستكون قائدة يوما ما".
خمس سنوات فقط على تلك الليلة، كانت كفيلة لكي تقف "عادل" أمام الأوركسترا الوتري، على مسرح أوبرا الإسكندرية، لتكون أول فتاة مصرية تقود أوركسترا كاملًا، بعد أن نالت إعجاب الدكتور مجدي صابر، رئيس دار الأوبرا المصرية.
تحكي صاحبة الـ23 عامًا، لموقع "سكاي نيوز عربية": "كانت لحظات تاريخية، لن أنساها أبدًا مهما حييت، لقد كانت مشاعري بين الخوف والرهبة من قيادتي لعازفين كبار من بينهم أساتذة، والفخر لما أنا عليه الآن، فسنوات التعب والمشقة والحلم تلخصت في صعودي على المسرح ورؤية وسماع انبهار المتواجدين أمامي".
كواليس قيادة الأوركسترا
وعن كواليس اختيارها لقيادة الأوركسترا، تقول روسيلا: "بدأت عندما رشحني الدكتور محمد حلمي أحد الأساتذة الكبار في معهد الكونسرفتوار، للدكتورة إيمان مصطفى السوبرانو المصرية العالمية، والمدير الفني لفرقة أوبرا القاهرة، والتي تحمست للغاية، ودعمتني ووثقت في قدراتي، بجانب إصرارها على قيادتي للحفلة بعد ما رأت قدراتي".
بدأت روسيلا مشوارها الفني بعد أن التحقت بمعهد "الكونسرفتوار" وهي طفلة لم تتجاوز الثامنة من عمرها، ودرست في قسم التدريب والقيادة المؤهل لقيادة الأوركسترا.
توضح عادل تلك الفترة من حياتها قائلة "كنت في مدرسة خاصة عادية أحبها بشدة، غير أن هناك ظروف حدثت وكان لابد لتغييرها، ورشحت إحدى السيدات القريبات من والدتي مدرسة البالية أو الموسيقى، كنت في الثامنة حينها، لا أعرف أي شئ عن الموسيقى غير أن البيانو أحبها بشدة لشكلها، يستهويني بشدة وأشعر معه بالألفة والحب".
وتُكمل عادل: "بعد مشاورات عديدة ذهبنا لمعهد الكونسرفتوار، كنت واحدة من ما يقرب 20 متقدم سيختارون ثلاثة فقط، وكل واحد فينا لابد وأن يقدم برنامجا وسيختارون، استعددت بنهم طوال الصيف وقدمت البرنامج المطلوب وتم اختياري من بين الثلاثة المطلوبين، لأستمر فيه حتى وصولي للمرحلة الإعدادية وأدرس البيانو".
تعلّم كل شيء
في ذلك السن شعرت الفتاة الصغيرة أنها تريد تعلّم كل شئ، العزف على جميع الآلات، والغناء، والتمثيل: "عندما فكرت في تلك الأثناء اكتشفت أن قسم التأليف والقيادة هو المناسب، سيحقق لي كل ما أتمناه وسيعطيني مساحة لتأليف الموسيقى لكل الآلات تقريبًا".
الحفل الذي قادته روسيلا، أحياه نجوم فرقة "أوبرا القاهرة"، تحت إشراف السوبرانو المصرية العالمية إيمان مصطفى، شهد إقبالًا جماهيريًا كبيرًا بعد أن اكتمل عدد الحضور في صالة مسرح "سيد درويش"، وفقًا للسعة الاستيعابية المسموح بها في ظل إجراءات مواجهة كورونا.
وعن مشروع تخرجها، قالت عادل في حديثها مع موقع "سكاي نيوز عربية": "كان عليّ أن أقوم بتأليف عمل أوركسترا وأقوده أيضًا، قدمت مشروعا أسميته "ألوان" يعبّر عن الجميع، من الممكن أن نكون سويًا مثل الآلات، كل منّا له شخصيته ولونه المخنلف، لو تعاملنا بالشكل الخاطئ سيكون الناتج هو الضوضاء، ولو تعاملنا بالشكل السليم سيكون النتاج النهائي تناغمهام وجميل".
دعم الأسرة
وتشير "أول مصرية تقود أوركسترا" إلى دعم أسرتها السخي، بالقول: "والدتي أكثر من دعمني في حياتي، كانت تؤمن بي بشدة، وتدرك أن لدي موهبة، متجاهلة أي اعتراضات أو انتقادات من المحيطين الذين كانوا يسخرون من اختياري لهذا المجال، ولكنها كانت تحميني وتقويني، وتشير إلى أن أكمل ما بدأته وأصل لما أريد".
وتضيف عادل: "لقد كانت والدتي تنتظرني أمام المعهد حتى أنتهي من دراستي، تجلس على الرصيف ولا تأبه بأي أحاديث، بخلاف أنها وفّرت لي في عزّ ارتفاع أسعار الآلات الموسيقية قبل ما يقرب من 15 عامًا البيانو والآلات التي أريدها.. يكفي أنها كانت تسير في الشارع وهي تبكي من شدة الألم".
على المسرح وأمام الجميع، كانت تتوارى الأم عن إظهار بكائها، غير أن لقاء الأعين دائمًا هو المعبّر، فأعين قائدة الأوركسترا حضنت الأم، أرسلت إليها رسالة طمأنينة وشكر عما فعلته طيلة السنوات، فتشير عادل: "كانت بتبكي بشدة وفخورة لما صنعت، تشعر بأن تعب العمر كُلّل أخيرًا بثمرة النجاح.. فالمشوار معها كان بمثابة النحت في الصخر".
ترى عادل أنّ "المايسترو" لابد وأن يكون متقنًا ومجيدًا في جميع الآلات الموسيقية، ويصحّح للعازفين أخطاءهم، بخلاف كونه "قياديا" يستطيع أن يتخطى أي خطأ في العرض الجماهيري أمام الناس كي لا ينتبه أي منهم أن هناك خللا حدث في التناغم الموسيقي.
وعن أساتذتها والدعم الذي تلقته منهم، تقول "لقد دعمتني بشدة الدكتورة إيمان مصطفى السوبرانو المصرية العالمية، والمدير الفني لفرقة أوبرا القاهرة، وقفت بجانبي ورشحتني لقيادة الأوركسترا، بجانب عدد من الأساتذة الذين تربيت على أيديهم، وكان لهم واسع التأثير في حياتي".