في أواخر 2020، أدرجت منظمة "اليونيسكو" طبق الكسكس ضمن التراث المغاربي، فأنهت بذلك جدلا بين المغرب والجزائر حول البلد الأجدر بأن تنسب إليه هذه الأكلة الشهيرة، لكن الجدل تواصل في مجالات أخرى؛ من بينها الفن.
وأصبح فن الراي، في قلب هذا "التجاذب" مجددا، بعدما قامت الجزائر، مؤخرا، بسحب ترشيحها من اليونيسكو، في خطوة أثارت ردود فعل متباينة.
وبادرت وزارة الثقافة الجزائرية إلى التوضيح، فأكدت أنها سحبت ملف ترشيح فن الراي، حتى تقوم بإيداعه مجددا في مارس الجاري، وعزت هذه الخطوة إلى الحرص على أن يكون الملف مكتملا.
ونقلت صحيفة "الشروق"، عن وزيرة الثقافة الجزائرية، سميرة بن دودة، أن الملف كان سيلقى رفضا من اليونيسكو، لو لم يجر سحبه من قبل الوزارة، والسبب هو عدم اكتماله.
وأشارت إلى أن الوزارة تفادت أن يتعرض للرفض، لأن ذلك كان سيضطر البلاد إلى انتظار ثلاث سنوات أخرى قبل تقديم الترشيح مجددا "سحبناه باحترام".
وبينما تعزو وزارة الثقافة في الجزائر، هذا السحب إلى جانب إجرائي محض، ثمة جدل يدور على المنصات الاجتماعية، وبين المهتمين بالشأن الفني، حول أصول الراي.
على المستوى الرسمي، تؤكد بن دودة، حرصها على جزائرية فن الراي الذي بات يلقى إقبالا وإعجابا في مختلف دول العالم.
ويقول جزائريون، إن هذا الفن أصيل في بلادهم، وحتى النجوم الذين حملوا مشعله في الخارج انطلقوا من الجزائر إلى الخارج، أما الذين غنوه في دول أخرى، ففعلوا ذلك، في وقت لاحق، من باب التأثر.
نشأة الراي
وتعود نشأة فن "الراي" إلى عشرينيات القرن الماضي، وبرز في مدينة وهران، غربي الجزائر، وهي مدينة تبعد عن الحدود المغربية بنحو 260 كيلومترا.
في المقابل، ثمة من يرى أنه كان شائعا أيضا على نطاق مغاربي، ومن بين هؤلاء الأستاذ في كلية الآداب بمدينة وجدة المغربية، بلقاسم الجطاري.
ويعرف فن "الراي" بإطلاق لقب "الشاب" أو "الشابة" على من يؤديه، بغض النظر عن عمره، وتتطرق كلمات أغاني الراي لقضايا اجتماعية وإنسانية في الغالب.
وارتبط هذا الفن ارتباطا وثيقا بقضايا اجتماعية من البداية، وعالج أمورا مثل التفاوت بين الطبقات والفقر وما فعله الاستعمار، ثم ناقش أزمة الهوية لدى المهاجرين في وقت لاحق.
لكن فن "الراي" الذي يعرف بإيقاع موسيقي خاص، انفتح على مواضيع أخرى، ولم يخلُ أيضا من أغان عاطفية، وكثر من يغنون هذا الفن في الجزائر، كما أنه له مغنون أيضا في المغرب، وشهد "مرحلته الذهبية" بعد التسعينيات.
ويعد الشاب خالد، وهو فنان جزائري يحمل الجنسية المغربية أيضا، من أبرز رموز هذا الفن، إلى جانب آخرين مثل الشاب حسني والشاب عقيل والشاب فضيل والشابة الزهوانية.
"فنٌ جامع"
وفي تصريحات أثارت ضجة واسعة، كان المطرب المغربي الدوزي قد قال، في وقت سابق، إن فن الراي مشترك بين المغرب والجزائر.
وتقيم مدينة وجدة، شرقي المغرب، مهرجانا سنويا دوليا لفن الراي، وكانت جمعية "وجدة فنون" التي تنظم الحدث الفني، قد أبدت نية لتصنيف "الراي" بمثابة فن مغربي.
وعندما سأل موقع "سكاي نيوز عربية"، في وقت سابق، الناقد الفني المغربي، عزيز المجدوب، حول هذه السجالات التي تثار حول أصل بعض الفنون بين البلدين الجارين، أوضح أن الأمر يجده تفسيره في عنصر الجوار إلى حد كبير.
وأوضح المجدوب، أن هذا "الاصطدام" ليس الأول من نوعه، بل أثير إزاء أنماط فنية أخرى مثل الغرناطي والأندلسي.
في حالة الطرب الأندلسي، مثلا، يقول المجدوب إنه حتى وإن كان المسلمون المهجرون من الأندلس قد نقلوا فنهم إلى عدد من الدول المغاربية كتونس والجزائر والمغرب، إلا أن الطرب الأندلسي اتخذ طابعا محليا، فالطرب الجزائري يختلف عن نظيره المغربي أو التونسي.
ويضرب المجدوب مثلا آخرا فيقول إن الفن الغنائي الذي يمتازه بطابعه الإفريقي الغالب ويقام له مهرجان كبير في مدينة الصويرة بشكل سنوي، يشتهر أيضا في تونس ويطلق عليه اسم "الصطمبالي".