تدخل أسماء التي لا يتعدى سنها تسع سنوات، راكضة إلى متجر لألعاب الأطفال في مدينة ليون جنوب شرقي فرنسا، تبحث عن رقعة لعبة الشطرنج بين الرفوف، غير أنها تفاجأ بأنها بيعت كلها ويجب عليها الانتظار كغيرها من الزبائن حتى تصل دفعة جديدة من اللعبة إلى المتجر القريب من حيها.
تقول أم الفتاة في حديثها لموقع "سكاي نيوز عربية": "منذ أن شاهدت ابنتي مسلسل "مناورة الملكة" (The Queen's Gambit) الذي تم بثه على نتفليكس، أصبحت مهووسة بلعبة الشطرنج، تلعبها في المنصات المخصصة للعبة وتطلب يوميا تسجيلها في ناد متخصص، واليوم قدمنا لنلبي رغبتها في شراء رقعة الشطرنج".
وتعليقا على هذا، قال المتحدث باسم مجموعة " JouéClub"، فرانك ماثيس، إن الفرنسيين أصابتهم "حمى الشطرنج".
ويردف متابعا لموقع "سكاي نيوز عربية": "بمجرد وضع لعبة الشطرنج بعيدا في الخزانة، كان غالبا ما يتم تجاهلها من قبل الزبائن مقارنة بالألعاب الحديثة الأخرى، إلا أن هذه اللعبة الذهنية شهدت انتعاشا في شعبيتها خلال الأشهر الأخيرة".
وأوضح أن مبيعات الشطرنج في متاجر المجموعة، تضاعفت منذ 23 أكتوبر الماضي، وهو تاريخ بث السلسلة على نتفليكس في فرنسا، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2019.
وتابع: "عرفنا أوج المبيعات في أعياد رأس السنة، إذ تضاعفت 5 مرات عن الشكل المعتاد. لقد أثّر المسلسل بشكل مدهش على متابعيه، ولا أظن أن الأمر يقتصر على فرنسا فقط".
ووفقًا لصحيفة "إندبندنت" البريطانية، فقد ارتفعت عمليات البحث عن ألعاب الشطرنج بنسبة 273 بالمئة على موقع "إيباي" العالمي للمزادات، بعد عشرة أيام من عرض المسلسل.
السلسلة تعيد الشطرنج إلى الواجهة
ويعود هذا النجاح الذي يشكل طفرة في تاريخ الشطرنج المعاصر، إلى سلسلة "The Queen's Gambit"، المكونة من سبع حلقات تتراوح مدتها بين 50 و60 دقيقة.
ويتابع من خلالها المشاهدون قصة بيث هارمون، الفتاة اليتيمة التي انتحرت والدتها لتجد نفسها في ملجأ للأيتام، حيث تكتشف اللعبة صدفة عن طريق حارس الملجأ.
وكانت تقول هارمون إن "لوحة الشطرنج تشعرها بالأمان، كون عالمها محدود، فهناك 64 مربعا تشكل العالم كله".
ولم تكتف الفتاة بالتدرب رفقة الحارس الذي اندهش من ذكائها، وإنما ينتقل بها خيالها إلى ابتكار ألعاب كاملة على لوحة تختلقها في سقف الغرفة.
وبإصرار كبير، تستطيع هارمون التفوق في عدة مسابقات محلية ودولية، ليلمع اسمها في عالم الشطرنج في ستينيات القرن الماضي، الذي كان حكرا على الرجال، ثم تصبح بطلة عالمية.
وتم تكييف هذه القصة الخيالية مع خيوط الرواية التي تحمل نفس الاسم، والتي نشرها والتر تيفيس عام 1983، المستوحاة من قصة البطل الأميركي بوبي فيشر.
وأطلق نجاح "The Queen's Gambit" عصرا ذهبيا للشطرنج عبر الإنترنت. وبفضل "بيث هارمون"، تدفق آلاف اللاعبين الهواة والجدد على البوابات المتخصصة في لعبة الشطرنج، خاصة موقع Chess.com.
وقال أحد مؤسسي الموقع في مقال نشر في 22 نوفمبر: "لعبة الشطرنج تشهد حاليا جنونا لم نشهده منذ مباريات اللاعب الأميركي بوبي فيشر ضد بوريس سباسكي عام 1972. بصراحة، لم نتوقع هذا المستوى من الاهتمام على الإطلاق، وليست لدينا أية فكرة متى سيتوقف".
وبلغة الأرقام، في غضون شهر واحد فقط، ارتفعت نسبة التسجيلات في الموقع من متوسط 20 ألف عضو جديد يوميا إلى ما يقرب من 125 ألف تسجيل يوميا.
وتمكن موقع Chess.com من تسجيل 2.5 مليون عضو جديد في نوفمبر وحده، خصوصا بعد أن سمح الموقع للاعبين بمواجهة بيث هارمون، الشخصية الرئيسية في المسلسل، عن طريق الذكاء الاصطناعي.
وأصبح من الممكن اللعب ضدها في مراحل مختلفة من حياتها، وبالتالي على مستويات مختلفة من اللعب، ابتداء من عمر ثماني سنوات، عندما كانت مبتدئة، إلى 22 عاما، عندما تغلبت على بطل اللعبة عالميا.
كما زاد عدد الزوار يوميا لموقع "تعلم الشطرنج في 24 ساعة" عشرة أضعاف، من 600 إلى 6000، بحسب مؤسس الموقع بيير بيتيكونو.