يحتفل الجزائريون، يوم الثلاثاء، برأس السنة الأمازيغية 2971 المصادف للثاني عشر من يناير، في أجواء استثنائية بسبب وباء كورونا الذي فرض إجراءات التباعد الاجتماعي.
وهذه هي السنة الرابعة على التوالي التي تحيي فيها الجزائر هذا التاريخ كيوم عطلة مدفوعة الأجر منذ 2018، بعدما تمت دسترة الأمازيغية كلغة وطنية ورسمية في دستور 2016.
ومع أن جائحة كورونا كان لها تأثير بالغ على مجمل الأنشطة الثقافية والاقتصادية، لكن جمعيات في مختلف مناطق البلاد، ما زالت تساهم في نشر عادات الاحتفال بـ"يناير" عن طريق إحيائها بطرقها التقليدية الأصيلة، ثم ترك المشعل للأجيال الجديدة التي تتولى بدورها المحافظة على الموروث.
واختارت السلطات أن تكون الاحتفالات الرسمية الوطنية الخاصة برأس السنة الأمازيغية، انطلاقا من منعة وبوزينة، الواقعتين في ولاية باتنة شرق البلاد، وبدأت التظاهرات الثقافية منذ الثامن من يناير لتستمر حتى الثاني عشر من الشهر نفسه.
"أفراح عين دوز".. من البيت إلى القصر
تعد جمعية "أفراح عين دوز" ببلدية بني مستار دائرة المنصورة في محافظة تلمسان (520 كم) غرب الجزائر العاصمة، من بين أبرز الجمعيات الثقافية التي تتولى تنظيم تظاهرات خاصة بالاحتفال برأس السنة الأمازيغية في المنطقة، عن طريق عدة أنشطة تتركز معظمها في نقل التراث وتعزيزه والمحافظة عليه.
ويفصل رئيس الجمعية الثقافية "أفراح عين دوز"، محمد بلقاضي في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية" ملامح الاحتفال بـ"ينّاير" لهذه السنة بالقول: "صحيح أن الاحتفالات برأس السنة الأمازيغية هذه المرة مرفوقة بإجراءات واحتياطات وقائية بسبب كورونا واتباع البروتوكول الصحي، لكن هذا لم يمنعنا من النشاط للمحافظة على عادات وتقاليد أجدادنا".
وأبرز محمد بلقاضي أنه تم نقل الاحتفالات هذه المرة من البيوت إلى قصر "المشور" في مدينة تلمسان (قصر ملكي من عهد الزيانيين)، حيث يحتضن هذا المبنى العتيق معرضا وعدة ورشات مخصصة للطبخ المعروف في هذه المناسبة من زيت زيتون وخبز "ثريد" وتم بث الأنشطة في فيديوهات عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي للاستفادة الجماعية.
ويؤكد رئيس جمعية "أفراح عين دوز" أن "يناير" بالنسبة إليهم منذ القديم يجمع العائلات ويلم الجسات "القعدات"، ومن بين أبرز هذه اللقاءات "الميدونة" حيث تجمع الأسرة خيرات الموسم المنقضي من مكسرات كاللوز والجوز والبلوط وكذلك الحلوى وتضعها داخل قصعة كبيرة.
وبخصوص الأكلات التقليدية في المنطقة المخصصة لهذه المناسبة، ثمة الت "ثريد" وهو خبز تقليدي رقيق يحضر خصيصا لهذه المناسبة، كما يتم تحضير ديك، وبعدها ينادى للعائلة حتى تجتمع على طاولة واحدة مثلما يحدث في الأعياد، وتغتنم الأسرة الفرصة لحل مشاكلها وفتح صفحة جديدة.
وإضافة إلى دشرة "عين دوز" التي تصنف من المناطق القديمة جدا التي تحتفل برأس السنة الأمازيغية، نجد "بني سنوس" التي تبعد 30 كم في الجنوب الغربي لمدينة تلمسان من بين المناطق التي تحتفل بـ"يناير" بطريقتها الخاصة حيث تتميز عن غيرها بكرنفال "إيراد" وهو احتفال استعراضي يتنكر فيه مواطنون في هيئات أسد ولبؤة، وحسب مختصين في التاريخ، فإن لهذا الاحتفال علاقة بأحد أهم انتصارات الملك الأمازيغي "شيشناق" سنة 950 قبل الميلاد.
الإحتفال بـ"التراز" و"البركوكس"
ويعود الإحتفال بـ"يناير" أو رأس السنة الأمازيغية، إلى قرون خلت في كل مناطق الجزائر، من الأوراس شرقا إلى القبائل وشنوة بتيبازة في الوسط إلى بني سنوس في تلمسان غربا والجنوب الجزائري في مختلف جهاته.
وتحيي الأسر الجزائرية هذا اليوم، باستعمال عبارات من قبيل: "أسقاس أمغاز" التي تعني "سنة سعيدة" باللغة الأمازيغية وتقال تفاؤلا ببداية عام خير وبركة، فيما تستقبل عائلات أخرى هذا اليوم بالطبخ التقليدي المتداول حسب كل منطقة.
وإضافة إلى بعض التقاليد الموروثة تقوم العائلات التي لديها أطفال صغار بوضع أبنائها داخل قصعة كبيرة ويتم وضع الحلوى فوق رؤوسهم حتى تكون السنة الأمازيغية الجديدة فأل خير عليهم، وهي عادة متداولة كثيرا في هذه المناسبة وتعرف باسم "التراز".
ولمعرفة كيفية الاحتفال بهذه المناسبة داخل البيوت، تحدث موقع "سكاي نيوز عربية" سميرة من محافظة تلمسان، فتحدثت عن مظاهر الاحتفالات برأس السنة الأمازيغية في منطقتها بدأت في الأسبوع الأخير قبل بداية "راس العام" من خلال الأسواق الشعبية التي شرعت في عرض المستلزمات التي يحتاجها المواطنون كالمكسرات من جوز وبندق وفول سوداني، وكذلك بعض الفواكه الجافة.
وتضيف سميرة أن البيت التلمساني على غرار بيوت الجزائريين ما يزال محافظا على تقاليد "يناير" من خلال إعداد ربات البيوت لأطباق تقليدية معروفة في المناسبة، كـ"البركوكس" (طبق تقليدي مصنوع من المعكرونة في شكل حبيبات خشنة تكون أكثر سمكا من حبات الكسكسي العادي) أو الكسكسي، فيما تطهو نسوة أخريات "التريد" المعروف في الجهة.
تعدد الروايات حول "يناير"
في المقابل تتضارب القراءات التاريخية حول أصل هذا السنة وهي التي ترجع إلى 950 عاما قبل ميلاد المسيح، إذ تبرز روايتان اثنتان بخصوص هذا التاريخ؛ الأولى تقول إن "ينّاير" يرمز للاحتفال بالأرض والفلاحة أي هو بداية السنة الزراعية بالنسبة للإنسان الأمازيغي في ذلك الوقت.
وتؤكد هذه الرواية أن الأمازيغ يستندون في تقويم "يناير" إلى التقويم الفلاحي الذي يتبعه الفلاحون في زراعتهم لضبط السقي والغرس، إذ يشكل يناير نهاية موسم الحرث ومنتصف موسم المطر، وتتزامن السنة الأمازيغية الجديدة أيضا مع نفاد المؤونة التي يحتفظ بها الفلاحون تحسبا لفصل الشتاء.
في المقابل، تشير رواية أخرى إلى أن رأس السنة هو اليوم الذي انتصر فيه الملك الأمازيغي "شيشناق" على الفرعون "رمسيس الثاني" في مصر.
وحسب الباحث والناشط في مجال الحركة الثقافية الأمازيغية، ابراهيم تازغارات، فإن "ينّاير" تقويم شمسي مثل التقويم المصري الفرعوني قديما، وأفاد الباحث تازغارت في اتصال مع موقع "سكاي نيوز عربية" بأن هذا التقويم العريق يتكون من 366 يوما وهو مقسم إلى أربعة فصول، خريف وشتاء وربيع وصيف، إضافة إلى تأكيده أن التقويم الأمازيغي "مستقل بذاته".
وفي السياق ذاته، يؤكد ابراهيم تازغارت أن لهذا التقويم كما تقول المصادر التاريخية علاقة بالنشاط الزراعي مثل كل تأريخ قديم كان لديه ارتباط بحدث مهم أو نشاط معين كعام الفيل أو الهجرة النبوية.