لسنوات طويلة ظل مشكل ضعف الخصوبة أو العسر الذي يعرفه الأزواج في الإنجاب، من المحرمات بالمغرب، ولم يخرج إلى العلن إلا في نهاية سنة 2012 مع الإعلامية عزيزة غلام، التي أعلنت عن تأسيس الجمعية المغربية للحالمين بالأمومة والأبوة، المعروفة اختصارا بـ "مابا"، والتي تمكنت قبل نهاية هذه السنة، وبعد مجهودات ومرافعات كثيرة، من انتزاع حق الاستفادة من التأمين الصحي الخاص بعلاجات المساعدة الطبية على الإنجاب.
وقد صدرت بالجريدة الرسمية )عدد 6946 الصادرة بتاريخ 24 ديسمبر 2020( قائمة الأدوية المقبول إرجاع مصاريفها برسم نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، وتشمل أدوية الجهاز البولي والتناسلي والهرمونات الجنسية، وضمنها منشطات التبويض، التي تدخل في علاجات المساعدة الطبية على الإنجاب.
وعن هذه الجمعية التي كان منطلقها معاناة شخصية مع موضوع الإنجاب، تقول رئيسة جمعية الحالمين بالأمومة والأبوة "مابا"، عزيزة غلام لـ "سكاي نيوز عربية": " حين أخبرني الطبيب بأن أوقف جميع محاولات الإنجاب بسبب إصابتي بقصور في المبيضين، وعدم تمكني حتى من الظفر ببويضة واحدة للمرور إلى مرحلة التخصيب الخارجي، كان من الصعب علي تحمل النبأ الذي نزل علي كالصاعقة. ولكني مع ذلك تحملت واشتغلت رفقة مجموعة من النساء والرجال الذين سبق لي الالتقاء بهم في عيادات طبية مختلفة، من أجل إماطة اللثام عن هذا الموضوع الحساس".
وتضيف غلام أن مشكل الإنجاب ما زال يعد من المحرمات بالمغرب، يتعايش من تعذر عليهم الانجاب مع وضعهم في صمت مطبق، ناهيك عن شعور المصاب بصعوبات الإنجاب، بالذنب تجاه الطرف الآخر في العلاقة الزوجية، وهو ما يؤثر نفسيا على معنويات الشخص وعلى نظرته لذاته ولمستقبله، ويدفع بالذين يعانون من ضعف الخصوبة إلى تحاشي الخوض في هذه القضية المربكة، وتجنب كل الأسئلة والاستفسارات التي تسبب لهم الإحراج، حيث يظل هذا الأمر محاطا بالسرية والكتمان من طرف الأزواج، مستسلمين لألمهم في صمت، مع العلم أنهم بحاجة ماسة إلى الدعم النفسي لتجاوز هذه المحنة.
وتوضح غلام أن فكرة تأسيس الجمعية المغربية للحالمين بالأمومة والأبوة، "نابعة من رحم المعاناة النفسية والاجتماعية والمالية التي تتعايش معها هذه الفئة في صمت مطبق، لقد جاءت الجمعية لتوضيح مختلف الصعوبات التي يتكبدها الأشخاص الذين يشكون صعوبات في الإنجاب، في رحلتهم الشاقة وراء البحث عن الشعور بنعمة الذرية. كان هدفنا هو لفت انتباه المسؤولين إلى قضيتنا وحثهم على اتخاذ جميع التدابير وتوفير جميع القوانين التي تساهم في توازننا النفسي، حفاظا على تلاحم أسرنا، بعيدا عن الوقوف أمام محاكم الأسرة بسبب العجز عن الإنجاب".
مشكل ضعف الخصوبة له أبعاد اجتماعية ونفسية خطيرة، وهذا ما تؤكده بهيجة اليعقوبي، التي ظلت تعاني لست سنوات في صمت، قبل أن تقنع زوجها بإجراء الفحوصات اللازمة، للتأكد من صحته وقدرته على الإنجاب، وهو الذي كان يرفض هذه الفكرة بالمرة لاعتقاده بأن العيب يكون دائما في المرأة وليس الرجل. وبعد خضوعه للفحص تأكد أن لديه بعض المشاكل في هذا الموضوع مثله مثل زوجته، وهو ما تطلب منهما الخضوع للعلاج.
وتضيف بهيجة في تصريح لـ "سكاي نيوز عربية"، أنه "بسبب غلاء تكلفة العلاج وطول مدته، لجأت إلى الطب الشعبي، وخضعت أنا وزوجي لسلسلة من العلاجات البديلة بالأعشاب الطبيعية كالحلبة والكمون وحبة البركة ولبان الذكر، وبعض الأكلات الشعبية المغربية بالأعشاب كالرفيسة، وأكلة الحلزون، ناهيك عن الحجامة وغيرها من الأمور التي كان لعائلة زوجي وعائلتي يد فيها. وبالنهاية أصبت بقرحة شديدة في المعدة، وأصيب زوجي بالاكتئاب، وغلب الفتور على علاقتنا الزوجية، ما جعلنا ننفصل، وفي نفسية كل منا غصة الأمومة والأبوة التي لم تتحقق لكلينا".
وإلى جانب جلسات الدعم النفسي التي كانت تقوم بها الجمعية المغربية للحالمين بالأمومة والأبوة "مابا"، بمساعدة أطباء متخصصين، فقد قامت بمرافعات كثيرة من أجل تحسيس المسؤولين المغاربة بهذا المشكل الحقيقي، الذي يعاني منه 15 في المائة من الأزواج بالمغرب، حسب تقديرات الأطباء الأخصائيين، ووفق منظمة الصحة العالمية، فإن 1 من بين 7 أزواج يصعب عليه تحقيق حلمه بالأمومة والأبوة عبر العالم.
ونظرا للنضالات المريرة للجمعية، تمكنت هذه الأخيرة من انتزاع حق الاستفادة من التأمين الصحي الخاص بعلاجات المساعدة الطبية على الإنجاب، في انتظار توفير النصوص التنظيمية الخاصة بقانون المساعدة الطبية على الإنجاب، ووضع استراتيجية وطنية للمساعدة الطبية على الإنجاب، في إطار حق ضعاف الخصوبة في خدمات الصحة الإنجابية لرفع حظوظهم في الإنجاب، مع التأكيد على فتح مراكز جهوية للعلاج وتقريب الخدمات من المواطنين في جميع مدن المملكة.
وتتراوح الكلفة الإجمالية للخدمات الطبية والصحية التي يتطلبها علاج ضعف الخصوبة، ما بين 30 ألف درهم و 45 ألف درهم في الشهر الواحد، خلال دورة شهرية واحدة، حسب اختلاف المراكز المتوجه إليها ونوع صعوبة الإنجاب.
ويتيح العلم للزوجين إمكانات للاستفادة من تقنيات المساعدة الطبية على الإنجاب، إلا أن ارتفاع تكلفته، يحول دون الولوج السهل إلى العلاجات بالنسبة إلى الجميع، ويفتح الباب أمام محاولات البعض، البحث عن حلول لتجاوز وضعية ضعف الخصوبة، ضمنها استعمال بعض الوصفات أو المستحضرات المنزلية التي تدخل فيها بعض أنواع الأعشاب، ونظرا لسوء استعمال تلك الأعشاب، يصاب المقبلون عليها بالعديد من الأمراض، ومنهم من تفتك بأرواحهم إذا ما كانت تلك الأعشاب سامة.
ويعد العقم وضعف الخصوبة من الأمراض الآخذة في التزايد في المجتمع المغربي، من مؤشراته تزايد الطلب على الاستشارات الطبية وعلى علاج تأخر الإنجاب، وتزايد عدد المراكز المتخصصة في المساعدة الطبية على الإنجاب التابعة للقطاع الخاص، إلى جانب تزايد عدد المصرحين بمعاناتهم من صعوبات الإنجاب، لدى الجمعية المغربية للحالمين بالأمومة والأبوة "مابا".