منذ عقد ونصف، يمارس الحسن ولد يحيى مهنته كسقاء بواسطة عربته التي يجرها حمار، وتحمل برميلين سعة كل منهما 200 لتر.
يملأ الرجل الأربعيني الأسمر برميليه من الحنفية العمومية القريبة من مسكنه في حي الوقفة بمقاطعة توجونين، إحدى مقاطعات ولاية نواكشوط الشمالية، ثم ينطلق صوب وجهة تحددها طلبات الزبائن.
يشعر الحسن بالرضى عن عمله فهو يحقق له ضروراته ويساعد من خلاله أهل الحي في الحصول على حاجتهم من الماء "حتى حين لا يكون لديهم ثمن الماء فالدفع قد يكون مؤجلاً.. في بعض الأيام لا نحصل على علف الحمار.. لكن في أيام أخرى يفيض الخير غن الحاجة". يقول الحسن متحدثا لموقع "سكاي نيوز عربية".
صاحب العربة
مهنة الحسن منتشرة بشكل كبير في الأحياء الواقعة في أطراف العاصمة الموريتانية نواكشوط، هنا يسمونه"مولى شاريت" أي صاحب العربة.
وهذه "الشاريت" هي وسيلة الشراب الرئيسية في الأحياء التي لم تصلها شبكة المياه؛ وأغلبها أحياء جديدة أنشئت تنفيذا لمخطط حكومي لتسوية وضعية الأحياء العشوائية في العاصمة قيم به ما بين 2008 و2013.
توجنين.. نصيب الأسد من المعاناة
أخذت مقاطعة توجونين الواقعة في الطرف الشرقي لنواكشوط نصيب الأسد من الأحياء الجديدة، التي انتشرت بشكل أفقي في الأجزاء الجنوبية من المقاطعة مضاعفة من تداعيات الحاجة للماء، حيث "تضاعفت مرتين أوثلاثة"، كما يوضح لموقع "سكاي نيوز عربية" عمدة بلدية توجونين محمد الأمين سيد المختار شعيب.
ويضيف: "عملية تأهيل الأحياء العشوائية ترتب عليها نقل عشرات الآلاف من الأسر إلى هذه الأحياء قبل أن يتم تأهيلها حيث لا ماء ولا كهرباء ولا حتى مستشفيات أو مدارس.. وما وصلت إليه شبكة المياه خلال السنوات الماضية محدود جدا.. في حين لا تزال مناطق من المقاطعة مسكونة بطريقة عشوائية تنتظر التخطيط وتشريع السكن قبل أن تدخل برنامج التأهيل وتوفير شبكة المياه.. فضلا عن ذلك فإن شبكة المياه بتوجونين القديمة أصبحت متهالكة لا تتحمل الضغط وفي أغلب الأحيان تكون متتعطلة وتعاني من انقطاع الماء".
هذا وتقوم بعض الجمعيات والمنظمات الأهلية بقديم صهاريج مياه مساعدة لبعض الأحياء، كما تقوم البلدية بسقاية يومية بسيارتها الصهريج الوحيدة في الأحياء الهشة، وإضافة لذلك أقامت الشركة الوطنية للمياه خزانات في نقاط متفرقة تزودها بالماء.
ولكن أغلب أحياء توجونين تعتمد في الحصول على المياه على العربات، فهي التي توصل الماء للسكان في بيوتهم وقت الحاجة.
"صهريج البلدية والصهاريج الأخرى تتوقف في الشوارع الكبرى، والبيوت البعيدة من الشارع تحصل فقط على كميات يمكن حملها على الأيدي"، تقول مريم بوبكر، ربة بيت في توجونين.
آفاق للحل
منذ تسلم المجالس البلدية الحالية لمهامها نهاية 2018، بذلت جهودا مشتركة للتوصل إلى حل دائم لمشكلة الماء. وكانت بلدية توجونين بصفتها المتضرر الأكبر والأكثر حاجة للماء تبحث عن حل يقضي على مشكلة العطش أو يحد منها.
وقال محمد الأمين شعيب، عمدة بلدية توجونين: "منذ اليوم الأول بدأنا البحث عن حل ووجدنا أن لدى الشركة الوطنية للماء برنامج تأهيل انطلق سنة 2017 لتزويد الأحياء الجديدة بشبكة للمياه ينتهي سنة 2023، فتواصلنا معهم لتسريع وتيرة العمل، لأن الناس لا يستطيعون أن ينتظروا كل هذه الفترة".
ويوضح أن اتفاقا حصل مؤخرا بين رابطة العمد وشركة المياه لتنسيق توفير المياه للسكان وتشكلت لجنة فنية تجمع بعض عمد نواكشوط ومستشارين بالشركة برئاسة عمدة توجونين.
وفي انتظار أن يسفر التنسيق عن طريقة فعالة لتزويدهم بالماء، يترقب سكان الأحياء الهشة في نواكشوط صيفا لا يعرفون كيف سيمر إذا استمرت الأوضاع السائدة الآن مع انتشار جائحة كورونا التي تؤثر على كل شيء حتى على حصولهم على الماء، وهم يعيشون فوق بحيرة جوفية وعلى شاطئ أكبر محيطات العالم.