أحيت كردستان العراق يوم العلم الذي يصادف السابع عشر من ديسمبر، حيث اعتمد برلمان الإقليم في العام 1999 العلم وفق قانون تشريعي، ومن ثم في عام 2004 أقر البرلمان هذا اليوم من كل عام للاحتفاء بعلم كردستان.
ورغم أنه ثمة لغط وجدل واسعان حول تمثيل العلم لمختلف أجزاء كردستان خاصة وأن هناك قوى في كردستان تركيا مثلا لا تقره وتعتمد أعلاما ورموزا أخرى، إلا أنه يعد أول علم في تاريخ الكرد يعبر عن كيانية قانونية ودستورية ومعترف به عراقيا ودوليا، فهو بات دارجا ومتعارفا عليه حول العالم كرمز قومي للكرد في محركات البحث ومراكز الدراسات ووكالات الأنباء.
اللافت أن يوم العلم ليس عطلة رسمية، بل يعج بطقوس ومراسم الفرح القومية الواسعة من الدوائر الحكومية إلى المدارس والمعاهد والجامعات إلى الأسواق والأماكن العامة، وحتى المنازل والسيارات حيث الأعلام ترفرف في كل مكان، والصور والشعارات التي ترمز لقدسية هذه المناسبة وأهميتها.
فالعلم الكردستاني في الذاكرة الجمعية الكردية بمثابة مظلة تؤطر نضالات وثورات ممتدة امتداد الأمل والألم، وفي سبيل رفعه خفاقا سالت أنهار من الدم والدمع، كما شددت البيانات الصادرة اليوم من مختلف المؤسسات الحكومية والقوى الحزبية والسياسية في الإقليم.
ورغم تاريخ وحاضر الكرد المليء بالعذابات والإرادات، فهم لا يحولون هذا اليوم إلى مناسبة للطم والندب والبكاء على الأطلال، وإنما يتم إحياء هذه المناسبة بطريقة حضارية، وكتدليل على أن البقاء للشعوب وأن سياسات الصهر القومي والإبادة الثقافية والجماعية مهما تمادت لا يمكنها طمس القضايا العادلة للقوميات والثقافات المضطهدة.
ففي هذا اليوم وعلى أعتاب عام جديد تكتسي كردستان العراق ألوان الفرح، فالأحمر كناية عن الثورة والدماء الزكية التي أريقت في سبيل الانعتاق والتحرر، والأبيض كناية عن السلام والتسامح، والأخضر تيمنا بطبيعة كردستان الخلابة والشمس الصفراء الصادر عنها 21 شعاعا في الوسط تعبيرا عن النور والوهج وانبلاج شمس الربيع حيث عيد النوروز القومي الكردي يقع في الحادي والعشرين من مارس، فالشمس لطالما كانت لها مكانة متقدمة في الديانات والمعتقدات الكردية التاريخية.
ويقول الصحفي ومقدم البرامج التلفزيونية زانا حسن لـ"سكاي نيوز عربية": "أينما يشاهد الكردي هذا العلم تنتابه مشاعر الانتماء الكبير للأمة الكردية، ومن المهم هنا أن لا يقدم العلم كملك لطرف سياسي معين بل أن تشعر مختلف القوى السياسية بملكيته وتعبيره عنها".
وأضاف "للأسف عندما يمارس في كثير من الأحيان الظلم داخليا من قبل سلطات الإقليم تحت لواء هذا العلم فإن ذلك يضعف من الشعور بالانتماء له لدى العديد من المواطنين".
وتتنوع أنشطة الاحتفال وأشكالها بهذا اليوم رسميا وشعبيا، ولعل الملمح الأبرز ارتداء الناس، نساء ورجال وأطفال اللباس الكردي التقليدي من طلبة المدارس والجامعات إلى الموظفين، وهكذا فيما يشبه إشهارا متجددا لكل ما يمت بالقومية الكردية من علم ولباس وأكلات شعبية تقدم عادة في هذا اليوم، سيما وأنه كثيرا ما قمع الكرد وحوكموا بالحبس لمجرد حمل واحدهم صورة لهذا العلم أو ما يرمز لألوانه في تركيا وإيران وسوريا وفي والعراق في عهد صدام حسين.
ويتحمس طلاب المدارس سيما الصغار منهم أكثر من غيرهم لهذا اليوم الذي يكسر فيه روتين دوامهم المدرسي، حيث يرتدون الملابس القومية الكلاسيكية والمعروفة بألوانها الزاهية بالنسبة للفتيات والنساء لدرجة أن شراء وتفصيل ثياب يوم العلم بات محطة أساسية لدى كل طالب.
في هذا الصدد تقول المدرسة تري خوشناو في حديث لـ"سكاي نيوز عربية": "من المهم ومنذ نعومة أظافرهم غرس قيم حب الوطن في الأطفال والافتخار بقوميتهم وثقافتهم دونما تعصب، فيوم العلم فرصة مهمة لذلك حيث يكون الدوام المدرسي شبه مفتوح ويخصص للمرح واللهو ورفع الأعلام والاحتفاء بها".
لطالما حظيت الأعلام بالتقدير والتقديس لدى مختلف البلدان والشعوب حول العالم كونها رمزا للسيادة والتحقق الوطني والقومي الأساسية إن لم تكن أهمها وهي تكتسي رمزية أعمق وأسمى لدى الشعوب المقسمة والمضطهدة ما يفسر كل هذا السرور والغبطة على محيا الكردستانيين هذا اليوم.