تعد أغنيته "وردة الرمال" التي أداها النجم العالمي ستينغ رفقة الشاب مامي عام 1999، واحدة من أهم ثمار الثنائيات الغنائية في تسعينيات القرن الماضي، وقد قرر ستينغ إعادة طرحها في ألبوم جديد سيكون متاحا للجمهور بداية من 27 نوفمبر الجاري.
وتعود الأغنية للواجهة، بعد 20 عاما من تصوير الفيديو كليب في صحراء موهاني بالولايات المتحدة الأميركية، عندما احتلت الأغنية حينها المرتبة الـ17 في تصنيف الأغاني العالمية الأكثر شعبية، ومنحت الثنائي ستينغ ومامي العديد من الجوائز منها جائزة "غرامي".
تأشيرة العودة
ويرى متابعون أن خطوة ستينغ تصب في صالح مامي، الذي يبدو أكثر الفنانين في قائمة الألبوم بحاجة إلى هذه الفرصة، بعد أن عانت شعبيته بعد خروجه من السجن عام 2011.
وقد تحول الشاب مامي في السنوات الأخيرة من نجم عالمي إلى رجل يسير في شوارع فرنسا وحيدا، وأحيانا محل سخرية وغضب من الصحافة الفرنسية، التي لم تغفر له جريمته التي ارتكبها في حق عشيقته التي أرغمها على الإجهاض.
وبسبب تلك الجريمة تحول مامي في أعين الفنانين إلى حقل ألغام، ولم يجرؤ أحد على الاقتراب منه، فحتى رفيق دربه في أغنية الراي، الشاب خالد، لم يمنحه فرصة العودة إلى الغناء، وهربت منه شركات الإنتاج وقاعات الحفلات، بعد أن وضعته وسائل الإعلام الفرنسية في القائمة السوداء.
مامي (53 عاما) من مواليد 11 يوليو 1966، عاش مؤخرا كل تناقضات الحياة، وقد عاد إلى نقطة الصفر وهو يسعى اليوم بكل جهده لطي صفحة الماضي والانطلاق من جديد، في زمن مختلف ظهرت فيه أصوات جزائرية جديدة.
وحسب مدير المعهد العالي للموسيقى بالجزائر، عبد القادر بوعزارة، فإن هذه الفرصة المهمة التي منحها له ستينغ، تأتي بعد أن باءت معظم محاولاته في العودة بالفشل، مما اضطره للاختفاء عن الأنظار لسنوات طويلة.
وقال بوعزارة لموقع "سكاي نيوز عربية": "مامي اليوم ليس مامي الأمس عندما كانت أغانيه أكثر ما يؤنس وحشة الجزائريين في الغربة، منذ أن صدر له ألبوم "لات مي رأي" عام 1990، قبل أن تسرق القوانين والعدالة أحلامه، ليدفع الثمن غاليا بسبب غلطة لم يحسب لها حساب".
معاناة خلف القضبان
وبدأت أزمة مامي عام 2009 عندما وقف أمام القاضي منهكا بلا أمل، وقال: "سيدي القاضي مسيرتي توقفت في فرنسا والجزائر، لم أعد أقوم بحفلات موسيقية، عندي مشكلة مع الكحول، وقد عولجت من الاكتئاب بعد انهيار زواجي الأول".
لكنه خرج خاسرا أمام القضاء الفرنسي والجمهور، وصدر الحكم في حقه بخمس سنوات سجنا نافذا بتهمة محاولة الإجهاض القسري التي ارتكبها في صيف 2005، راحت ضحيتها عشيقته السابقة ذات الجنسية الفرنسية إيزابيل سيمون.
ولم يتم إطلاق سراحه إلا يوم 23 مارس 2011 بعدما توسط له الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، الذي طلب من السلطات الفرنسية تخفيف العقوبة.
وتجددت معاناة الشاب مامي عدة مرات بعد إطلاق سراحه، وعاد ذلك الشاب اللطيف والموهوب كما وصفه القاضي الفرنسي، ليقف أمام درسٍ أخر أكثر قساوة، عندما اتهم بالسرقة الأدبية، وذلك بعد أربع سنوات من خروجه من السجن.
وقد وجهت له تهمة سرقة كلمات الأغاني التي أداها، وحكم عليه بغرامة قدرها 200 ألف يورو.
وتعود تفاصيل القضية إلى دعوى قضائية رفعها مغني جزائري مغمور يدعى الشاب رابحا، اتهم مامي بسرقة كلمات أغانيه، ولم تتسامح المحكمة الفرنسية مع مامي، خاصة وأن الأمر تعلق بأشهر أغانيه منها "الراي سي شيك" و"مداني" و"حياتي" التي صنعت نجوميته في القرن العشرين.
وقد احتاج مامي لعقود من الزمن، كي يتمكن من ارتداء البدلة الرمادية الأنيقة التي صور بها أحدث فيديو كليب غنائي له.
وشاءت الأقدار أن يولد نجم جزائري جديد اسمه عبد الرؤوف دراجي الملقب بـ"سولكينغ".. هذا الشاب الذي تحول إلى ظاهرة فنية في الجزائر وفرنسا، قرر منح الشاب مامي فرصة العودة إلى الساحة الفنية الجزائرية بقوة.
ويؤكد المخرج الجزائري نسيم بومعيزة، الذي أخرج فيديو كليب أغنية (Ça fait des années) الذي جمعه بسولكينغ، أن مامي "فنان طيب القلب ومتواضع".
وقال بومعيزة لموقع سكاي نيوز عربية: "السجن لقن مامي درسا قاسيا جدا"، وأضاف في معرض حديثه عن التجربة التي جمعته به في إسبانيا لتصوير فيديو كليب تلك الأغنية: "مامي شخص متواضع وبسيط وتشعر معه براحة، هو هادئ ورزين جدا والعمل معه تجربة مميزة في حياتي، فهو بالنسبة لي قامة فنية كبيرة لا تزعزعها الظروف".
وقد تفاعل المتابعون بشكل إيجابي مع عودة شاب مامي، وهو ما تعكسه التعليقات على موقع يوتيوب مع كلمات الأغنية التي تقول: "لقد مرت سنوات ... أنا مقواني (لم أعد أستطيع المقاومة) ... شبابي وصغري راح عليا وهذه الدنيا دارت عليا".
ونلمس في تلك الأغنية روح مامي في التسعينيات، من ناحية الكلمات التي جاءت دافئة بلمسة حزن تذكرنا بروائع أغاني الراي.
وأكد بومعيزة أن سنوات الغياب "لم تؤثر على حبال مامي الصوتية"، إذ حافظ على "بحته" الاستثنائية، لتحقق الأغنية نجاحا أكبر مع الموسيقى الحديثة التي أبدع سوكلنيغ في مزجها بين الراي والراب والبوب.
ويؤكد بومعيزة أن مامي "فنان لم يمت وسيعود بقوة إلى الساحتين العربية والعالمية"، مشيرا إلى أن نجاح أغنيته مع سولكينغ، بمثابة "العودة الرسمية" له إلى الساحة الجزائرية.
هكذا منح سولكينغ وستينغ فرصة ثانية لمامي ليكون بين جيلين، جيل القرن الواحد والعشرين الذين هم في الأصل جمهور سولكينغ، وجيل الثمانينيات والتسعينيات، وهم جمهور مامي وستينغ الذين كبروا على أغانية "وردة الرمال" وأشرطة الكاسيت التي كانت تحمل صور الفنان الجزائري.