عندما نظم سكان حي العمارات، أحد أرقى أحياء العاصمة السودانية الخرطوم، مظاهرة كبيرة، الأربعاء، كان معظم المارة يعتقدون أنها من أجل الاحتجاج على أزمة الخبز أو المحروقات، لكن الأمر كان يتعلق بمخاوف صحية وأمنية حقيقية بات يشكلها الانتشار الواسع لمقاهي الشيشة (الجمبات) في حيهم، والعديد من المناطق في الخرطوم.
وكانت من بين المشاركين في التظاهرة (س.ب) التي تحيط ببيتها ثلاثة مقاه ينبعث منها الدخان ليلال ونهارا، ويسهر فيها شباب وشابات ويقيمون فيها أحيانا حفلات غنائية صاخبة تستمر حتى ساعات الصباح الأولى.
وتقول (س.ب) إنها طرقت بلا طائل أبواب العديد من المؤسسات الحكومية المعنية، مشتكية من الأذى البليغ الذي لحق بأسرتها من جراء وجود تلك المقاهي في شارعها، مشيرة إلى إصابتها هي وعدد من أطفالها وأفراد أسرتها بمشكلات كبيرة في التنفس نتيجة الدخان.
كما عبرت (س.ب) عن قلقها الشديد حيال سلامة أسرتها، إذ يكتظ الشارع بسيارات زبائن تلك المقاهي الذين يأتون من أماكن لا يعرف خلفياتها الاجتماعية أو الأمنية، مما يشكل هاجسا دائما لدى السكان وسط شائعات عن ممارسات مريبة تتم داخل بعض تلك المقاهي.
وتؤكد (س.ب) أن القلق الشديد بات يدفعها إلى التفكير بشكل جدي لترك منزلها والبحث عن سكن بديل في منطقة أكثر أمانا وهدوءا.
ورصد موقع سكاي نيوز عربية انتشارا كثيفا للمقاهي في العديد من مناطق الخرطوم، خصوصا في منطقة العمارات التي يوجد في بعض شوارعها مقهى واحدا بين كل 5 بيوت، مما يشكل عبئا صحيا وأمنيا واجتماعيا ثقيلا على الأسر التي تقطن تلك المناطق، وهي جميعها من الطبقة الوسطى التي يغلب عليها كبار الموظفين ورجال الأعمال.
ويتهم بعض السكان السلطات السودانية المحلية بمنح تصاريح لتلك المقاهي من دون مراعاة الضوابط والأسس الصحية وغيرها من الضوابط المتعلقة بسلامة ومظهر المجتمع.
ويقول إبراهيم عبد القادر، وهو من سكان منطقة العمارات، إن "انهيار مؤسسات الدولة والوضع الاقتصادي المزرى أوجد خللا كبيرا"، مشيرا إلى أن السلطات المحلية "تعتمد في معظم إيراداتها على الرسوم التي تفرضها على المحلات التجارية والخدمية ومنها مقاهي الشيشة".
ويؤكد شاهين الشريف، منسق وحدة العمارات الإدارية، لموقع سكاي نيوز عربية، أن هنالك نحو 61 مقهى في الحي الذي يضم 31 شارعا، أي بمعدل اثنين في كل شارع.
ويشير الشريف إلى أن الجهات التنفيذية رخصت العديد من المقاهي وسط احتجاج مستمر من السكان، بسبب المخاوف الصحية والأمنية والاجتماعية، إضافة إلى الضغط الذي تسببه تلك المقاهي على الخدمات، خصوصا الكهرباء والصرف الصحي.
ويلخص الشريف المشكلات التي تسببها تلك المقاهي على السكان في الازدحام حتى ساعة متأخرة من الليل داخل شوارع سكنية وإغلاق أبواب المنازل ومداخل الشوارع بالعربات، إضافة إلى اندلاع مشاجرات بالأسلحة النارية والبيضاء. كما درجت بعض المقاهي على إقامة حفلات غنائية صاخبة تقلق كثيرا راحة السكان.