للاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف في الجزائر نكهة خاصة، لم تتغير بتغير الأزمنة، حيث تبقى مظاهر الفرحة عند الجزائريين محطة "مقدسة" لا يمكن أن تتجاوزها الظروف، وإن كانت مثل انتشار وباء قاتل مثل كورونا.
ورغم أن وباء كورونا منع الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف في المساجد والملتقيات الدينية وحلقات المدح النبوي، إلا أنه لم يستطيع منع الجزائريين من استمرار عاداتهم الاجتماعية والأسرية بالاحتفال ليلة مولد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
ومع أن القدرة الشرائية للعائلات الجزائرية البسيطة محدودة إلا أن هذا لم يمنعها من اقتناء المواد النارية من مفرقعات وما شابه لأبنائها تحضيرا لليلة المولد، هذا الأمر الذي يشعل جدلا كل سنة من الناحية الشرعية حول جدوى "تبذير" الأموال بدعوى الاحتفال بالمولد النبوي.
وذلك علاوة على الإزعاج الذي تخلقه هذه الألعاب النارية في الأحياء والشوراع، حيث تسمع دويها في كل مكان، لكن هناك عائلات أخرى فضلت اقتناء الشموع والعنبر و"النوالات" والاكتفاء بالاحتفال الهادئ داخل البيوت.
تحذيرات من التجمعات
ورغم تحذيرات السلطات ودعوتها المواطنين بضرورة "التقيد الصارم" بالإجراءات الوقائية بمناسبة الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، إلا أن إطلالة على الأسواق وشوارع الجزائر العاصمة المملوءة بطاولات بيع المفرقعات والألعاب النارية خلال الأسبوع الأخير والاحتفال القوي عشية المولد، عكست رغبة الجزائريين خاصة الأطفال والشباب منهم على الفرحة رغم مخاطر هذا الوباء الذي يجد ضالته في هكذا نوع من التجمعات.
وكانت وزارة الشؤون الدينية والأوقاف قد أصدرت بيانا أوضحت من خلاله أن "الشعب الجزائري يستعد للاحتفال بهذه الذكرى، على غرار الشعوب الإسلامية، في ظروف صحية استثنائية بسبب انتشار جائحة كورونا واستفحالها في العالم كله، وهو ما يقتضي العمل بما جاء به بيان الوزارة الأولى الصادر بتاريخ 25 أكتوبر 2020، والذي يؤكد على الاستمرار في أخذ الحيطة، خاصة في هذه الأيام التي تعرف تصاعدا ملحوظا في عدد الإصابات بالفيروس".
وفي هذا الصدد، دعت الوزارة ذاتها، كافة الجزائريين إلى إقامة احتفالات ذكرى المولد النبوي الشريف في القاعات المخصصة لذلك، بالتنسيق مع السلطات المحلية، في ظل احترام التدابير الوقائية وتطبيق القواعد الصحية ويمنع إقامتها في المساجد أو في ساحاتها.
لا تفريط في المفرقعات والألعاب النارية
لم تلغ الظروف الاستثنائية التي فرضها وباء كورونا على جميع المجالات الكثير من الشباب الجزائريين في استغلال ذكرى المولد النبوي، لعرض سلع المفرقعات والألعاب النارية والشموع والعنبر بمختلف أنواعهم للبيع بأثمان كالعادة مرتفعة، ولكن كل هذا لم يمنع الزبائن من اقتناء هذه المواد النارية تحسبا لليلة "المولود".
وحسب ما لاحظه موقع "سكاي نيوز عربية" في عدة شوارع بالجزائر العاصمة، خاصة الشعبية منها، فإن الطاولات المخصصة لبيع المفرقعات عرفت تزايدا مع الوقت، أي أن يوم السبت الماضي ليس كيوم الثلاثاء أو الأربعاء اللذان عرفا انتشارا واسعا لهذه التجارة "المربحة" لدى الكثيرين خاصة من العاطلين عن العمل.
وبخصوص أثمان هذه الألعاب النارية المخصصة للاحتفال بالمولد النبوي الشريف، أفاد أحد الشباب الباعة لموقع "سكاي نيوز عربية" كان يضع طاولة مملوءة بالمواد النارية من مختلف الأشكال والأحجام، أنها تختلف من مادة إلى أخرى، فـ"دوبل بومب" ليس كـ"المحيرقة" و"الفيميجان" ليس ثمنه كـ"الصاروخ".
ومعروف أن هذه الأسماء يطلقها الشباب الجزائري على عدة ألعاب نارية، وكل سنة لديه أسماء معينة يختارها على هذه المواد، وممكن أن تكون أسماء شخصيات سياسية دولية وحتى رياضية.
وأوضح المتحدث ذاته، أنه "يبيع "دوبل بومب" بـ150 دينارا، في حين أن علبة مفرقعات عادية بـ300 دينار أما الألعاب النارية شديدة المفعول كالفيميجان "الشماريخ" والبوق فأسعارها غالية وتصل إلى 1500 دينار. ومن الواضح أن المواطن البسيط ماديا لا يمكنه شراء هذا النوع من الألعاب النارية".
وأكد بعض الشباب الباعة أن سبب ارتفاع أسعار المفرقعات هذه السنة راجع لوباء كورونا بسبب توقف الاستيراد مؤقتا من الصين، والنقص الملحوظ في كمية هذه المواد في السوق، خاصة مع كثرة الطلب عليها في الأفراح والمناسبات.
في حين اهتدى بعض أطفال الأحياء الشعبية إلى صنع مواد تقليدية ككل سنة للعب بها واستعمالها للاحتفال بالمولد النبوي، بعيدا عن شراء الألعاب النارية التي تعرف أسعارها ارتفاعا محسوسا كل سنة، ليس باستطاعتهم تسديد ثمنها.
في المقابل، ومن أجل إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف بدون حوادث "مأساوية" نظمت المديرية العامة للحماية المدنية في الجزائر حملة توعوية تحسيسية من مختلف الأخطار الناجمة عن استعمال المواد النارية والمفرقعات وكذا الشموع.
ومعروف أن أخطار استعمال هذه المواد متعددة منها الانفجارات على مستوى اليدين، حروق في العينين، فقدان حاسة السمع، جروح خطيرة إلى جانب عاهات مستدامة على مستوى الجسم وتشوهات، وكثيرا ما تعرف المستشفيات في الجزائر وخاصة أجنحة الاستعجالات توافد عدة مصابين وجرحى بحروق هذه المواد النارية الخطيرة.
أطباق المولد
عرفت أسواق بعض بلديات الجزائر العاصمة ليلة المولد النبوي الشريف حركة واسعة من طرف ربات البيوت اللائي يذهبن لاقتناء مستلزمات تحضير الأطباق التقليدية الجزائرية المعهودة بمناسبة المولد النبوي الشريف.
ومن المعروف أن الأطباق التقليدية التي تتزين بها المائدة الجزائرية ليلة المولد النبوي الشريف في مختلف المناطق، هي عادة الشخشوخة (أكلة شعبية مشهورة عبارة عن عجينة تخلط من القمح اللين والماء)، أو الرشتة (عبارة عن طبق من المعكرونة الدقيقة) فيما تختار عائلات أخرى الكسكسي بالدجاج.
وبعد طبق العشاء، يتم تقديم بعض الحلويات مع الشاي، ومتعارف عليه أن "الطمينة" (حلوى جزائرية تقليدية تصنع بالسميد والعسل والزبدة) لا يمكن أن تغفلها ربة البيت الجزائرية خلال الاحتفال بالمولد النبوي، حيث يتم تزيينها بحبات من حلوى "ليدراجي" الملونة وقليل من القرفة والجوز واللوز، وتقديمها بعد ذلك للأكل، إضافة إلى المكسرات.
وتقول فتيحة.ح ربة بيت من حي باب الوادي الشعبي لموقع "سكاي نيوز عربية" إن "الطمينة تحضر ليوم المولد النبوي الشريف وليس لليلته، وكل عائلة لديها عاداتها في ذلك".
فيما تختار عائلات كثيرة إشعال البخور والعنبر تيمنا بالمناسبة العطرة، وتقوم الأمهات بتخضيب يدي أبنائهم بالحناء، كما لو أنه يوم عيد سواء الفطر أو عيد الأضحى.
ويختار الكثير من الجزائريين هذه المناسبة لإعادة قراءة سيرة الرسول وشمائله وكذلك ترتيل القرآن الكريم وبعض من المدائح النبوية، فيما منع وباء كوفيد 19 هذا العام العائلات الجزائرية من تبادل الزيارات وتنظيم سهرات وتجمعات تليق بهذه المناسبة الدينية العظيمة.