"إنها جميلة.. إنه رائع"، صفتان من مواصفات عدة للأشخاص الأكثر نشاطًا وجاذبية عبر شبكة التواصل الاجتماعي إنستغرام في الجزائر سواء كانوا من عالم الفن أو مواطنين عاديين يتوقون إلى مشاركة حياتهم اليومية، وقد أصبح لهم حضور في حياة الشباب، بينما تنظر إليهم كبرى الشركات التجارية كمادة مهمة للتسويق.
ويعج العالم الافتراضي على مواقع التواصل الاجتماعي بعدد هائل من المؤثرين في مختلف المجالات.
وفي حين يعد الإنستغرام في الجزائر إحدى المنصات الأساسية التي تصنع الرأي العام، فقد منح العديدين فرصة أن يصبحوا نجوما حقيقيين، لكن للشهرة على مواقع التواصل ثمنا قد يكون مكلفا نفسيا.
ووفقا لمؤشر موقع "هيبسي"، المتخصص في تحديد نسبة المتابعة في الإنستغرام، فقد جاء اللاعب الجزائري رياض محرز في المرتبة الأولى بـ5 ملايين متابع، يليه عدد من الهواة والممثلين الشباب الذين تتراوح معدل أعمارهم ما بين 21 إلى 27 عاما.
جيل الإنستغرام يحقق نجاحات خرافية
وتستمر حكاية الشاب الجزائري فاروق الملقب بريفكا (لبى حوالي 10 آلاف شاب وشابة متابع له عبر مواقع التواصل الاجتماعي دعوة حضور عيد ميلاه عام 2018) في تصدر مشهد الإنستعرام في الجزائر.
فالشاب الذي بالكاد يبلغ من العمر (22 عاما)، لديه بالفعل أكثر من 2 مليون متابع على حسابه الشخصي، بالإضافة إلى مصممة الأزياء أميرة ريا (22 عاما)، التي أصبحت مؤخرا مقدمة برنامج عبر القناة الوطنية ولديها الآن 4.1 مليون متابع.
كما يضم التصنيف العارضة والممثلة الشابة إيناس العبدلي بعدد 3.2 مليون مشترك، بينما تحوز الممثلة المثيرة للجدل نوميديا لزول على 3 ملايين متابع.
طريق مختصر إلى الشهرة
وينظر الشباب والمراهقين في الجزائر للإنستغرام على أنه الفضاء الأمثل القادر على اختصار المسافات نحو الشهرة، فبالنسبة لمن يمتلك موهبة سواء في الغناء أو التمثيل، فهو فضاء للظهور وربح المال والإشهار.
وعندما حل ريفكا ضيفا على برنامج "مزال الحال" قال إن ما حققه هو حلم، والحلم يحتاج إلى النية المخلصة وهذه الشعبية سببها الصدق في التواصل مع الناس، وقال:"كنت أعمل نادل في مطعم ولكنني آمنت بحملي وأتمنى أن اكون نموذجا إيجابيا للشباب الجزائري".
وكعينة من الشباب العاشق للإنستغرام تقول الطالبة والمغنية ناضلية بروان "22 سنة" لـ"سكاي نيوز عربية" إن أبناء البلاد يعشقون هذا العالم والسبب ما حققه البعض من نجاحات كبيرة بفضل هذا الموقع رغم أن محتوى ما يقدمونه لا يخرج عن حدود مشاركة فيديوهات بسيطة.
وعلى عكس المثال الشعبي الذي يقول "طباخ السم بيدوقه"، فإن المفارقة ما صرح به كل من نائب الرئيس الأول للهندسة المسير لموقع"تويتر" أليكس روتر وتيم كيندال، والمدير السابق في فيسبوك، حيث قالا في شهادة نقلها فيلم "المعضلة الإجتماعية"الذي أنتجته "نتفلكس"، أنهما لا يدعان أطفالهم يستخدمون مواقع التواصل الإجتماعي لتأثيراتها الخطيرة.
مقابل ذلك لا يزال عدد من الشباب يحاول شق طريق الشهرة عن طريق الإنستغرام واليوتيوب بعيدا عن الأضواء، منهم الفتاة سلمى حمادو (20 سنة) وهي تحاول أن تقدم نوعا آخر من صناع المحتوى ويختلف عن طبيعة الدور الذي يلعبه المؤثرين المعروفين في الجزائر.
وتقول سلمى عن تجربتها :"أسعى لتقدم محتوى يتراوح بين الترفيه والإنتاجية وتشجع الناس على تحقيق أحلامهم وجعلهم أشخاص نافعين في المجتمع".
وتضيف في معرض حديثها عن تجربتها :"هذا العالم الجديد الأمر ليس سهلا ولا يجب أن يتعلق الأمر بعدد المشاهدة وإنما بالرسالة والمضمون".
تفوق على الأدباء والمثقفين
وتفرق الصحفية المتخصصة في المجال الفني أميرة رابية، بين صناع المحتوى والمؤثرين وتقول لـ"سكاي نيوز عربية"، إن الظاهر على السطح هم المؤثرون الذين لا يقدمون محتوى هادف الذين يشاركون متابعيهم حياتهم اليومية، ومن خلال الفيديوهات التي يقومون بنشرها يعيش المتابع تجربة من أحلامه.
وقد تحول إنستغرام إلى قائد للرأي العام في الجزائر، وبفضله حقق العديد من الشباب المغمور أموالا وتحصلوا على عروض للعمل في أعمال سينمائية وتلفزيونية.
وتمكن المؤثرون من الحصول على عقود للعمل في ومضات إعلانية مع أكبر الشركات الاقتصادية في الجزائر وبملغ يصل إلى 3 آلاف دولار مقابل الدقيقة الواحدة.
وترى رابية أن هؤلاء الشباب لديهم القدرة على التأثير حتى في المواضيع التي لا يتخصصون فيها، لهذا فهم بالنسبة لها كمذيعة تعمل في"راديو جيل أف أم" فئة مهمة جدا تتمع بموهبة إيصال الرسائل بسرعة في مختلف المجالات.
ومن خلال جولة سريعة عبر أبرز صفحات مشاهير الإنستغرام في الجزائر ومقارنتها بصفحات الروائيين والفنانين البارزين، نلحظ فرقا كبيرا في عدد المتابعين، فعلى سبيل المثال فإن صفحة الروائي الجزائري المعروف ياسمينة خضرا لا تتجاوز 18 آلاف متابع، كما أن صفحة نجم أغنية الرأي شاب خالد لا تتعدى العشرة آلاف متابع.
في المقابل، تصل صفحة المشاهير الشباب إلى أكثر من ثلاثة ملايين متابع كما هو شأن الممثلة الشابة إيناس عبدلي (16 سنة)، أو صفحة الممثلة مونيا بن فيغول التي تشق أول خطواتها في عالم التمثيل بعدما ذاع صيتها على الإنستغرام عبر صفحتها التي تصل إلى مليوني متابع.
وتلقي رابية باللوم على النخبة المثقفة التي لم تجدد من أدواتها في التواصل وقالت:"النخبة لم تواكب لغة العصر وقد تركت الساحة فارغة وأصبح بإمكان أي شخص يحمل جاهز هاتف وكاميرا أن يتحول في ظرف زمني قياسي إلى قائد رأي".
انهيار سريع
غير أن هذه النجومية أحيانا تشبه الوقوف على جبال من الرمل، وتجسد مقولة الكاتب الإسباني الراحل ميغيل دي ثيربانتس الذي قال في القرن الرابع عشر :"الشهرة بلا فائدة لا تساوي شيئا".
لهذا سرعان ما ينهار نجوم الإنستغرام عند أول تغريدة لا تلقى إعجاب المتابعين ولا يتم التسامح معهم أبدا ويتحول زر الإعجاب إلى أزرار من الغضب والسخط. كما تقول الممثلة الشابة إيناس عبدلي: "التعليقات السلبية التي نتلقها على مدار اليوم يمكن أن يكون لها تأثير على الصحة العقلية والنفسية".
تجربة صادمة
وفي أحدث حلقات الصدمة وأكثرها مرارة في حكايات مشاهير الإنستغرام، تلك التجربة التي عاشتها واحدة من أبرز الشخصيات في الجزائر وهي الممثلة مونيا بن فيغول التي تحولت صورتها إلى رموز للسخرية والسخط، وتبرأ منها متابعيها وذلك بمجرد نشرها لفيديو تحدثت فيه عن التحرش في المجتمع وهاجمت الشباب بوصفهم بـ"اللاهثين وراء جسد المرأة".
وتذكرنا هذه الحادثة بما وقع للممثلة شيرين بوتلة التي كانت تعد واحد من أشهر شخصيات الإنستغرام في الجزائر برقم ناهز 2 مليون متابع، ولكنها خسرت نصف ذلك الرقم بمجرد نشرها لصورة تحمل علم المثليين، وهو ما أثار حفيظة عدد كبير من المتابعين الذين وجدوا أن الأمر فيه تجاوز للعادات والتقاليد.
وفي تحقيق نشرته إحدى الصحف الجزائرية بعنوان: "الإنستغرام: مصدر ضار اجتاحه القذف والغيبة"، أكد أن هذا الفضاء تحول إلى محطة للتعليقات البغيضة والنقد المسيء والعنيف والمستفز وبيئة سامة خاصة للشباب الناشئ.
ويرى الممثل الشاب زهر الدين جواد أن هذا الأمر راجع لكون إنستغرام ليس أكثر من حالة استثنائية في الساحة الفنية، وقال لـ"سكاي نيوز عربية" إن المتابعين ليسوا أكثر من فضوليين يهتمون بما هو جديد وغير مألوف.
وقال جواد: "بما أن موقع إنستغرام منصة حديثة لم يمر على ظهورها أكثر من أربع سنوات فمن الطبيعي أن تستقطب هذا النوع من المتابعين"، ويعيب زهر الدين على بعض شركات الإنتاج التلفزيوني التي أوهمت هؤلاء الشباب بالنجومية.
ويلخص جواد -الذي يتابع حسابه في الإنستغرام أكثر من ربع مليون شخص-كلامه بالقول: "لا يمكن أن يكون الإنسان نجما حقيقيا بمجرد الحصول على زر الإعجاب أو المتابعة"، فحسبه فإن طريق الفن يبقى طويل والنجومية محطة صعبة وتحتاج إلى العمل والاجتهاد والتميز.
ويستدل الممثل الشاب بكلام النجم العالمي جورج كلوني الذي قاله في حوار مع مجلة "برويار" العالمية :"لقد مررت بمهنة شيقة ونجاحات لا تصدق وإخفاقات هائلة".