لم يكن عالم ديزني المكان الأسعد في العالم هذا العام بعكس الأعوام السابقة، فالعالم الذي لم يقفل أبوابه أمام الزوار لعقود، بات مقفلاً بشكل كامل لـ4 أشهر متتالية بسبب فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19"، مما ينذر بأزمة ضخمة في ولاية فلوريدا الأميركية.
وحين أعاد فتح أبوابه في يوليو الماضي بعد أن خفت حدة الجائحة قليلا، بدا مكانا لا يشبه نفسه، فحتى في حال تخطيت حاجز الخوف والقلق من كورونا واتجهت إلى مرافقه لقضاء إجازة عائلية، يبقى الشعور مختلفا عما سبق.
وتشمل التدابير الاحترازية الجديدة: الحجز المسبق والاكتفاء بـ25 بالمئة من إجمالي الطاقة الاستيعابية للمنشآت، وارتداء الكمامات وفحص الحرارة والتباعد الاجتماعي، وعدم الاقتراب من شخصيات دزني المحبوبة مثل ميكي وميني والأميرات والعديد من أصدقاء ديزني.
ومنتجعات ومنتزهات "والت ديزني" العالمية وجهة العطلات الأولى في العالم، إذ تسجلا أعلى معدل للزيارة، وبلغ عدد الزائرين 156 مليون شخص عام 2019 أي بزيادة نسبتها 0.8 بالمئة عن العام 2018.
وهذا يعني أن 13 مليون شخص يزورون عالم ديزني شهريا في فلوريدا وكاليفورنيا، وكذلك في باريس وشنغهاي الصينية وكذلك طوكيو اليابانية.
بداية ديزني
نجاح عالم ديزني لم يكن عن طريق الصدفة أبدا، منذ النجاح الأولي الذي حققته في كاليفورنيا عام 1955 بدأ رجل الاعمال والمخرج والمتخصص في الرسوم المتحركة، والت ديزني، التخطيط والتصميم لتحقيق حلمه الأكبر.
وبعد أقل من 20 عاماً أصبحت رؤيته حقيقة وواقعا عندما افتتحت ديزني العالمية أبواب المملكة السحرية في مدينة أورلاندو في فلوريدا عام 1971.
وجاء هذا اليوم، لسوء الحظ، بعد 5 سنوات من وفاة والت ديزني بسرطان الرئة، ولم يمهله القدر لرؤية حلمه يتجسد على أرض الواقع.
كل شيء في عالم والت ديزني ينطق بالإبداع من التصاميم الخارجية الخيالية إلى التكنولوجيا والآلات المستخدمة على مساحة تبلغ (128 كيلومترا مربعا)، وهي تضاهي حجم مدينة سان فرانسيسكو، وتزخر بعوامل جذب من فنادق وحدائق ومطاعم ومنتزهات ومحال تجارية.
والت ديزني نفسه اشترى موقع أورلاندو في فلوريدا، التي أصبحت الآن موطنًا لعالم ديزني وذلك في ستينيات القرن الماضي بكلفة وصلت إلى 5 ملايين دولار أميركي، بأرقام ذلك الزمان.
وإلى الأمس القريب كانت أرقام الأرباح اليومية لكل منتزه تفوق هذا الرقم بأضعاف في إشارة ضخمة للشركة الترفيهية، عدا عن عائدات الغرف الفندقية، حيث يوجد ما يقرب 33 ألف غرفة فندقية موزعة على أطراف المنتجعات.
تداعيات إقفال كورونا
لكن الإقفال القسري الذي شهدته ديزني جراء كورونا تسبب بخسائر كبرى للشركة والمدن التي تحتضن منتجعاتها.
والأشهر الثلاثة الأولى بعد إعادة الافتتاح في يوليو الماضي لم تشهد حركة كثيفة إلا أخيرا، حيث بدأت حركة الجماهير في الارتفاع تدريجياً، إلى أن أصبح من المعتاد مشاهدة طوابير أطول وأوقات انتظار أطول، خاصة خلال عطلات نهاية الأسبوع.
ورغم أن مسؤولي الصحة العامة ونقابات عالم ديزني أكدوا أنه لم يكن هناك تفشي لفيروس كورونا بين العمال أو الضيوف، إلا أن ديزني لاند كاليفورنيا وهو المنتزه الوحيد، الذي صمم وبني تحت إشراف من والت ديزني، لا يزال مقفلاً، ويتكبد بذلك خسائر بمليارات الدولارات.
وقد تم تسريح أكثر من 15 ألف عامل من المنتجع، أي ما يقارب 20 بالمئة من القوة العاملة، بعد أن رفض حاكم ولاية كاليفورنيا السماح بإعادة افتتاحه، بسبب المخاوف من ارتفاع اعداد الإصابات بالفيروس.
وضغطت ديزني عليه لإعادة النظر بالقرار. وهكذا فعل المسؤولون في جنوب كاليفورنيا، خصوصاً وأن منتجع ديزني لاند المكون من متنزهين يدعم 78 ألف وظيفة في الولاية.
ويساهم هذا المنتجع بمبلغ 8.5 مليار دولار سنويًا في اقتصاد جنوب كاليفورنيا، وقبل الوباء، كان يوظف حوالى 31 ألف، يمثلون 3.6 بالمئة من جميع الوظائف في مقاطعة أورانج، لكن إلى الآن لم يتم تحديد موعد لافتتاحه.
المؤسسة تدافع عن نفسها
وتقول كبيرة المسؤولين الطبيين في والت ديزني، باميلا هيميل: "تُظهر البيانات أننا فتحنا أبوابنا في المدن الأخرى بمسؤولية، ولم نتسبب في زيادة عدد الإصابات بالفيروس، ذلك فإن إبقاء ديزني كاليفورنيا مقفلاً لا مبرر له".
ويعد إعادة تشغيل مجمع أنهايم بولاية كاليفورنيا أمرا مهما لشركة ديزني لأن مناطق أخرى من الشركة، التي تشمل الأفلام المسرحية والإجازات البحرية، قد تعطلت بشدة بسبب الوباء وتواجه تعافيًا أكثر صعوبة. وبحسب التقارير حققت ديزني لاند عائدات تقدر بنحو 3.8 مليار دولار العام الماضي.
وفي الأسبوع الماضي، نشرت شركة والت ديزني على حسابها في تويتر تغريدة لرئيسها، كينبو تروك، يقول فيها إن الشركة الترفيهية "أثبتت أنه يمكننا إعادة الافتتاح بمسؤولية، مع بروتوكولات الصحة والسلامة المستندة إلى العلم والتي يتم تطبيقها بصرامة في منتزهاتنا الترفيهية حول العالم".
ويضيف: "مع ذلك، تواصل ولاية كاليفورنيا تجاهل هذه الحقيقة، وبدلاً من ذلك فرضت إرشادات تعسفية تعرف أنها غير قابلة للتطبيق".
الخسارة الأكبر في فلوريدا
ولكن تبقى فلوريدا الحاضنة الأكبر لعالم ديزني، ففيها العدد الأكبر من موظفي عالم ديزني.
ومع استمرار الإغلاق، أعلنت الشركة مؤخراً نيتها التخلي عن 28 ألف موظف في فلوريدا، وأكد مسؤولو ديزني أن ثلثي حالات التسريح المخطط لها تشمل عمالا بدوام جزئي، وكذلك العمال الأكبر سنًا وذوي الدخل المرتفع.
ويقع عالم ديزني في فلوريدا في منطقة ضرائب خاصة في مقاطعة أورلاندو، تعمل بنفس السلطة والمسؤولية مثل حكومة المقاطعة.
وقد ساعد والت ديزني قبل وفاته في تنظيم المنطقة بنفسه، ليتمكن من زيادة السيطرة على المناطق المحيطة بحديقة الملاهي الخاصة به.
فقدان 28 ألف وظيفة
إن عالم ديزني فلوريدا لا يقتصر فقط على المركبات والألعاب والمغامرات والمطاعم، فهناك أكثر من 12 بالمئة من هذا العالم، تشغلها المناظر الطبيعية الخلابة، بمساحة تعادل 3 آلاف ملعب كرة قدم من المساحات الخضراء.
وفي كل عام يزرع الفلاحون في البساتين المحيطة حوالى 3 ملايين شجرة ونبتة للحفاظ على سحر المكان.
وفي رسالة إلى الموظفين، أكدت الشركة أن المسؤولين فيها عملوا بجد لمحاولة تجنب تسريح العمال، كما خفضوا النفقات وأوقفوا المشاريع وعدّلوا العمليات، لكن ذلك لم يكن كافيا نظرا للقيود المفروضة على عدد الأشخاص المسموح لهم بدخول المنتزهات.
واعتبر خبراء أن ولاية فلوريدا الآن في أزمة حقيقية بسبب إعلان ديزني نهاية 28 ألف وظيفة، معتبرين أن قرار السلطات المؤسف أرسل موجات صادمة لصناعة السفر والضيافة والاستجمام التي ستعاني مع فقدان الوظائف، ما لم يتم التوصل الى لقاح فعال للفيروس.