أمام النول، تنهمك السيدة الخمسينية، رضا أحمد، في عملها بمركز يعتبر أبرز مدارس صناعة المنسوجات اليدوية بمصر، ويقع في قرية الحرانية بمحافظة الجيزة.
تنشغل رضا بإتمام لوحة فنية على سجادة من صنع أناملها قد تُعرض داخل أشهر المتاحف العالمية كما اعتادت منذ عقود.
ومنذ أيام احتفل العالم بيوم المرأة الريفية، وأكد أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة ضرورة العمل مع النساء من الريف لبناء قدرتهن على الصمود في وجه الأزمات، وهو ما تتفق معه السيدة المصرية خلال حديثها لموقع "سكاي نيوز عربية".
قصة عمرها 4 عقود
وتقول رضا إن الفُرصة التي حصلت عليها منذ 40 عاما من المهندس، رمسيس ويصا واصف، لتعليمها صناعة المنسوجات اليدوية في مركزه، هي سر تحولها من سيدة تعمل بالزراعة وتهتم بمنزلها فقط إلى فنانة.
والتحقت السيدة المصرية بالمركز الذي تم إنشاؤه قبل 70 عاما، وهي في الحادية عشرة من عمرها، وسرعان ما تحمس لها الجميع لموهبتها الشديدة، رغم إتلافها للكثير من الخامات في بداية مشوارها مع المنسوجات، كما تروي لموقع "سكاي نيوز عربية".
وتضيف السيدة الريفية بفخر: "بعد سنوات من التعلم والتجربة والحصول على خبرات كبيرة، انتقلت أعمالي إلى معارض فنية عالمية ومتاحف كبرى مثل متحف الحضارة في فرنسا".
طاقة إبداعية كبيرة
إكرام نصحي، مدير مركز رمسيس ويصا واصف للفنون، يروي لموقع "سكاي نيوز عربية" تجربة نساء قرية الحرانية مع المنسوجات اليدوية، قائلًا: "الإيمان بموهبتهن وقدرتهن كانت البداية من الأب الروحي للمركز".
ويتابع: "أدرك رمسيس أن أطفال القرية لديهم طاقة إبداع تحتاج إلى تطويرها ومنحها الاهتمام اللازم وتوفير الخامات المختلفة من النسيج، استغرق ذلك سنوات طويلة حتى ظهرت بشائر حلمه".
وأوضح نصحي أن عمل فتيات وسيدات القرية لم يكن بالأمر السهل، لكن الأهالي شعروا بالثقة تجاه المركز والمستقبل الكبير الذي ينتظر المجتهدات منهن، وظهر ذلك عند سفرهن في جولات حول العالم مع أعمالهن البديعة.
عُرضت أعمال رضا وعدد من نساء المركز داخل متاحف عديدة في الولايات المتحدة مثل "المتروبوليتان للفن" وفي بريطانيا وألمانيا وهولندا وإيطاليا والسويد، ومؤخرًا بات لدى السيدة الريفية سجادة طولها أكثر من 3 متر في متحف الحضارة بفرنس.
حرصت رضا على ارتداء زيها الريفي خلال تواجدها في معرض أقيم بلندن عام 2006، موضحة لموقع "سكاي نيوز عربية" اعتزازها بالقرية التي جاءت منها، وعدم تخليها عن هويتها وثقافة مجتمعها.
تنوه السيدة الخمسينية إلى أن مشوارها اليومي إلى المركز للجلوس أمام النول هو مصدر سعادتها، متمنية الاستمرار في صنع اللوحات الفنية على المنسوجات اليدوية حتى النهاية.
وليست الحرانية فقط التي تحوي سيدات تصل أعمالهن إلى خارج مصر، حيث تشتهر قرية شبرا بلولة بمحافظة الغربية، شمال البلاد، بزراعة مئات الأفدنة من الياسمين وعدد من النباتات العطرية الآخرى، وتوفير نحو نصف كمية العجينة المطلوبة عالميًا لصناعة العطور بالعالم.
نساء في مزارع الياسمين
وتشغل السيدات في شبرا بلولة نحو 70 % من نسبة العمالة داخل مزارع الياسمين بالقرية، وفقا لعامر محمد الشيخ، صاحب مزرعة ياسمين ومصنع للزيوت الطبية والعطرية بالمنطقة.
ويتابع الشيخ: "تعمل النساء في قريتنا في مهنة حصاد الياسمين والريحان والبنفسج والأرنج وغيرها من النباتات العطرية، لتوفير مصدر دخل ثابت لبيوتهم، وأصبح لديهن خبرة كبيرة في هذا المجال".
ولدى تلك المهنة قوانين خاصة بها، إذ يلزم البدء في جمع النباتات عند غياب الشمس، كما يُشير الشيخ في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية" إذ تحتوي الزهور خلال ساعات الليل على أفضل إنتاج.
عمل بعد منتصف الليل
من أجل ذلك تتوجه السيدة عزة محمد بلاط إلى مزرعة مجاورة لبيتها حلول الساعة الثانية عشرة بعد منتصف الليل، رفقة مئات السيدات من القرية، تنطلق كلا منهن في ناحية للبدء في عملهن.
تضع عزة مصباح صغير على رأسها من أجل تسليط الضوء على الزهور في طريقها، تقطف الياسمين بعناية بالغة وتُلقي حصادها في سلة صغيرة لا تفارق قط.
تقول السيدة الخمسينية لموقع "سكاي نيوز عربية" إنها قدمت للمرة الأولى إلى المزرعة مع والدها وهي لاتزال طفلة، ورثت المهنة عنه بعد أن علمها كل شيء عن جمع الياسمين.
منذ دخولها لهذا العالم لم تخرج منه قط، تذهب يوميًا إلى المزرعة ليلًا خلال 40 عاما، لم تتخلَ عن دورها حتى بعد زواجها وانجابها لـ 4 أولاد، إذ صارت وظيفتها هي مصدر هام لإيجاد قوت يومها.
تجدر الإشارة إلى أن سيدة فرنسية هي من أدخلت زراعة الياسمين على قرية شبرا بلولة منذ عقود عديدة، رفقة أحمد فخري الذي شيد أول مصنع للنباتات الطبية والعطرية بالمنطقة.
زراعة مزدهرة
ازدهرت زراعة النباتات وتحويلها إلى عجينة عبر الزمن، وفقا للشيخ، إذ يتم زراعة الياسمين في 300 فدان بالقرية، على مدار 6 شهور سنويًا، وصارت تحوي هي وغيرها من القرى المجاورة 5 مصانع.
ويتابع الشيخ لموقع "سكاي نيوز عربية": "مصر تُصدر من خلال قريتنا أفضل عجينة للزيوت والنباتات الطبية التي تتحول إلى أشهر العطور على مستوى العالم".
وينوه إلى قدرة القرية على إنتاج 6 طن عجينة نباتات عطرية في العام الواحد، ما يقارب من 60 % من الكميات المتاحة عالميًا، حيث ننافس بقوة دولتي فرنسا والهند.
لا تعلم عزة الكثير من تلك الأرقام والاحصاءات، لكنها تعرف فقط ضرورة إخلاصها في مهنتها لأنها كل ما تملك في حياتها، على حد تعبيرها لموقع "سكاي نيوز عربية"، ولأن عمل يديها يُدخل السرور على آخرين في أنحاء العالم.