عاد الجدل من جديد حول الطلاق الشفهي في مصر، بعد أن قضت محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، بعدم الاختصاص الولائي في دعوى إلزام وزير العدل بإصدار قرار بتعديل قانون الأحوال الشخصية المصري، ينص على أن الطلاق لا يعد شرعيا للمتزوجين إلا بتوثيقه رسميا.
وخلال السنوات الأخيرة زادت نسبة الطلاق في مصر، وفق الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وهو جهاز حكومي، حيث وصلت حالات الطلاق في 2019 إلى أكثر من 20 ألف حالة، بزيادة تخطت الـ 50 ألف حالة عن معدلات الطلاق في عام 2010.
دعوات لإلغاء الطلاق الشفوي
وظهرت أصوات عديدة تطالب بضرورة إلغاء الطلاق الشفهي بمصر، والاعتراف فقط بالتوثيق الرسمي، من بينهم إمام وخطيب مسجد عمر مكرم، الشيخ مظهر شاهين، الذي تقدم بالدعوى أمام القضاء منذ 3 أعوام.
وقال شاهين في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن الطلاق الشفهي "يترتب عليه أضرار جسمية سواء للمرأة أو الأسرة بشكل عام".
وأضاف: "القرآن الكريم تحدث عن كل ما له علاقة بالطلاق، ولم يُشر إلى الطريقة التي يقع بها ليكون هناك متسع يتناسب مع الظروف التي يعيشها الناس في كل مكان وزمان".
وأشار إمام وخطيب مسجد عمر مكرم إلى أنه قديما كان الطلاق يوثق بشكل مجتمعي، لأن الناس عاشوا في مجتمعات قبلية وريفية، لكن الآن تغيرت الظروف والأحوال.
وتابع: "هناك رجال يطلقون زوجاتهم دون توثيق ذلك، وتعتبر المرأة في تلك الحالة غير مطلقة قانونيا، مما يترتب عليه آثار شرعية وقانونية في غاية الخطورة".
ويُعدد شاهين لموقع سكاي نيوز عربية حالات مختلفة تحتاج من وجهة نظره للتدخل، من بينها وفاة الرجل الذي طلق زوجته قبل توثيق ذلك، أو العكس مما يسمح لهما بالحصول على ميراث ليس من حقهما، أو عدم قدرة المرأة على الحصول على معاش أبيها لأنها في نظر الدولة مازالت متزوجة.
كما نوه إلى اهتمامه بتلك القضية الحيوية منذ سنوات عديدة، وهو ما دفعه إلى رفع الدعوى بمجلس الدولة لتعطيل الطلاق الشفهي.
وطالب شاهين مجلس النواب المصري بإصدار قانون يتيح التعامل فقط بالطلاق الرسمي، "تحقيقا لمصالح العباد ورفع الظلم الواقع على المرأة".
في المقابل، يرى المحامي بالنقض والمتدخل في القضية مع الجهة المخاصمة، الهيثم سعد، أن قرار المحكمة "يعني عدم اختصاص محاكم الدولة بالنظر في تلك الدعوى لأنها أمور تشريعية".
وأوضح لموقع "سكاي نيوز عربية"، أنه قدم مذكرة "تستند إلى مبادئ الدستور المصري بالفصل بين أعمال السلطات"، مشيرا إلى أن مؤسسة الأزهر الشريف تواجدت خلال جلسات المحاكمة عن طريق فريق قانوني ممثلا لها.
قرار الأزهر
وكانت هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، قد أصدرت بيانا رسميا في فبراير عام 2017، بوقوع الطلاق الشفهي المستوفي جميع أركانه وشروطه، والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية و بالألفاظ الشرعية الدالة على الطلاق.
وشدد البيان على أن "هذا ما استقر عليه المسلمون منذ عهد النبي محمد حتى يوم الناس هذا دون اشتراط إشهاد أو توثيق"، كما نوه إلى أهمية أن يبادر الرجل بتوثيق الطلاق فوق وقوعه حفاظا على حقوق المطلقة وأبنائها.
وترى هيئة كبار العلماء، وفقا للبيان، أنه من حق ولي الأمر شرعا أن يتخذ ما يلزم من إجراءات لسن تشريع يكفل توقيع عقوبة تعزيزية رادعة على من امتنع عن التوثيق أو ماطل فيه، لأن في ذلك "إضرار بالمرأة وحقوقها الشرعية".
اهتمام الرئيس وتعاون مع الأمم المتحدة
ويولي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أهمية بالأمر، إذ كلف الجهات المسؤولة بالدولة بسرعة التدخل لحماية الأسر المصرية من أضرار الطلاق، من بينها وزارة التضامن الاجتماعي في عام 2018، لإيجاد حلول مثمرة لتلك الأزمة المجتمعية.
وعلى الفور طرحت وزارة التضامن الاجتماعي بمصر، المبادرة الرئاسية "مودة" التي تسعى إلى وحدة الأسرة المصرية والحد من نسب الطلاق، كما تقول راندا فارس، مدير مشروع "مودة" بوزارة التضامن الاجتماعي، في حديثها لموقع سكاي نيوز عربية.
وشرحت فارس استراتيجية المبادرة في الشهور الأولى من خلال تدريبات على أرض الواقع في الجامعات ومعسكرات التجنيد والهيئات العامة في مختلف محافظات مصر، فضلا عن إطلاق منصة إلكترونية.
كما تمت التجربة بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان ومجموعة من ذوي الخبرة، مما انعكس بالنجاح على المبادرة، وفقا لفارس، حيث استفاد منها نحو 80 ألف من الطلاب، وأكثر من 30 ألف مجند، والآلاف من المكلفين بالخدمة الاجتماعية.
وتوضح مدير مشروع "مودة" بوزارة التضامن الاجتماعي، أن "معدل تغيير الأفكار الاجتماعية الخاطئة لدى المشاركين في التدريبات وصل إلى 22 بالمئة، وهي نسبة جيدة خلال فترة وجيزة".
"وحدة لم الشمل"
في الوقت نفسه، حرص الأزهر الشريف على التعامل مع أزمة ارتفاع نسب الطلاق من خلال تدشين مبادرة "وحدة لم الشمل" في أبريل 2018، لتحقيق أمن واستقرار الأسرة المصرية، كما يوضح أسامة الحديدي، مدير مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، في تصريحات لموقع سكاي نيوز عربية.
ويقول الحديدي إن الوحدة تلقت نحو 20 ألف قضية نزاع أسري خلال أكثر من عامين، ونجحت في إتمام الصلح لـ 14 ألف حالة حتى الآن، منوها إلى أن أغلب تلك النزاعات خضعت لدرجات تقاضي مختلفة.
الطلاق و"السوشيال ميديا"
ومن بين أبرز الأسباب الشائعة التي تؤدي إلى الطلاق، بحسب الحديدي، تأتي وسائل التواصل الاجتماعي، سواء بانشغال الزوج أو الزوجة بـ "السوشيال ميديا" (وسائل التواصل الاجتماعي) طوال الوقت، أو التدخلات الأسرية أو التقصير في المتطلبات الحياتية اليومية.
وبحسب الحديدي فإن تدخل "وحدة لم الشمل" في النزاعات الأسرية ساهمت في "استقرار تلك العائلات وعودتهم لحياة مستقرة وهادئة بما ينعكس على صحتهم النفسية وبالتالي على المجتمع بشكل عام".
وأشار إلى أن مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية دشن أيضا في مارس 2019 برنامج التوعية الأسرية والمجتمعية بهدف نشر الوعي بين أفراد المجتمع بالقضايا التي تسبب مشاكل الطلاق.
واستهدف البرنامج نحو 2 مليون و200 ألف مواطن بصورة مباشرة، وفقا للحديدي، من خلال 22 ألف محاضرة على مستوى الجمهورية، للمراحل التعليمية الدراسية المختلفة الجامعية وما قبلها، بجانب المقبلين على الزواج.
ويقول الحديدي إن البرنامج ركز على عمل لقاءات جماهيرية موسعة داخل المحافظات المختلفة، يشارك فيها أصحاب الخبرة من الأزهر الشريف ومختلف المجالات للوقوف على المشكلات الأسرية ووضع حلول جذرية لها.