في محله الصغير الكائن في السوق العربي في أحد أقدم أحياء العاصمة التونسية، يحرص، عطيل الجباوي، على تنعيم الصوف بشكل متقن ليكون جاهزا لصنع "الشاشية"، القبعة التونسية الشهيرة التي تصمد بكل وقار وهيبة في وجه الاندثار رغم الصعوبات التي تواجه حرفة توارثها عن أجداده الأندلسيين منذ قرون.
وعلى أرفف الورشة المزينة بفسيفساء وزخارف تونس العتيقة، تتنوع الشاشيات في الألوان والأحجام بعد أن أتقن الجباوي صنعها.
ويعود أصل الشاشية إلى الأندلس، بحسب الجباوي، وقد أحضر العرب هذه الحرفة لدى خروجهم من إسبانيا بعد سقوط غرناطة في عام 1492، لتزدهر في تونس وتصبح جزءا من هويتها.
ويقول الجباوي، الذي ورث عن أجداده هذا المحل، الذي بدأ نشاطه عام 1928 في السوق العربي لموقع "سكاي نيوز عربية" إن "سوق الشواشين كان يضم 75 ورشة لصناعة الشاشية، وقد اقتصرت الحرفة على الأشراف الذين حملوا على عاتقهم استمرار هذه الصناعة ذات المكانة الكبيرة في نفوس التونسيين، خاصة وأن ارتداء الشاشية يعطي مظهرا جميلا ووقورا للرجال".
ويشير الجباوي إلى أن هذه الصناعة كانت في وقت من الأوقات أحد ركائز الاقتصاد التونسي، "كنا نصدر الشاشيات إلى ليبيا ونيجيريا والمغرب والجزائر، ومصر".
كيف تصنع الشاشية؟
تتكون الشاشية من الصوف الذي تحوكه النساء في المنازل قبل معالجته بالماء الساخن والصابون الأخضر حتى ينكمش ويأخذ شكل القلنصوة الدائرية.
وبحسب الجباوي، يجري بعد ذلك تنعيم الصوف بأداة تسمى الكرضون وهي نبتة خشنة طبيعية، ثم يتم صبغ الشاشية باللون الأحمر المميز لتونس أو اللون الأسود الذي يفضله الليبيون أو تترك بدون لون أي وفق لونها الأصلي المفضل لدى كثيرين أيضا.
وبعد ذلك، يتم وضع الشاشية على قالب قبل معالجتها بالمكاوة حتى تأخذ شكلها الشهير.
أنواع الشاشية
وتتنوع الشاشية بحسب مرتديها، فيلبس التونسيون الشاشية الحمراء المميزة لهم وهي جزء من العلم التونسي.
وهناك الشاشية السوداء التي يرتديها الليبيون، بالإضافة إلى الشاشية النسائية التي تتميز بحلى فضيلة وتتنوع ألوانها على حسب الأذواق.
وتقول طرفة منتشرة في أوساط هذه الحرفة إنه إذا ارتدت النساء الشاشية، فاعلم أن ثمنها سيرتفع كثيرا، بحسب الجباوي الذي أوضح أن القصد منها هو أن رغبة النساء في التسوق ستزيد الطلب على الشاشيات مما سيرفع سعرها.
كما تحتل الشاشية واحدا من أكثر الأمثال الشعبية تداولا:" شاشية هذا على رأس هذا"، للإشارة إلى التداخل بين الأمور أو الأشخاص في المواقف.
وكان هناك تقليد سائد في أوساط صانعي الشاشية، حيث لصاحب ورشة الشاشية مكانة كبيرة وهيبة موقرة، ويطلق عليه "المعلم".
وعندما يدخل المعلم إلى المحل، يذهب للجلوس على كرسي في مكان مخصص له ثم يشير إلى معاونه الذي يذهب إلى الحرفيين ويخبرهم بأن المعلم يقول لكم "صباح الخير"، وهنا يبدأون في عملهم، لكن بحسب الجباوي، فقد اندثر هذا التقليد.
واستوعبت هذه الحرفة في وقت من الأوقات 400 ألف عامل "لكن أعداد المحلات والعمال تقلص بشكل كبير مثل كل الصناعات اليدوية العربية، ومع الأسف فهي تتراجع شيئا فشيئا".
ويعود ذلك إلى توجه الأجيال الجديدة إلى الأزياء العصرية، حتى اقتصر ارتداء الشاشيات على كبار السن أو في المناسبات.
ويأمل الجباوي في أن تعود هذه الصناعة إلى سابق عهدها وتزدهر من جديد لأنها تمثل بلادنا، فإذا رأيت هذه الشاشية في أي مكان في العالم، فإنك ستعرف أنها من صنع تونس".