الأغنية الوطنية والأهازيج الشعرية الثورية ظلت البوصلة التي يقاس من خلالها اتجاه حراك الشارع السوداني طوال أيام الثورة، سواء عن طريق الثوار أنفسهم وما يرددونه من أشعار معروفة، أو بإسهام الفنانين السودانيين ومدى انفعالهم ومشاركتهم في هذا الحراك، حتى أن هذا شكل حالة ماراثونية تنافسية لتقديم ما هو أقرب لنبض الشارع وما يخطب ود ومحبة السودانيين جميعاً.
وهناك في ساحة اعتصام قيادة الجيش كانت الأغاني الثورية "تدوزن" الميدان وتضبط إيقاعه، حيث الفن هو السلاح الأبرز الذي اتكأت عليه الثورة لتحقق أهدافها في التغيير المنشود عبر تفكيك رواسب الماضي الثقافي، ومحاولة الترسيخ لثقافة جديدة تتناسب والتغيير القادم، فكان الفن لغة حوارها الأسلس في تحقيق غايات مثل توحد السودانيين وتطلعاتهم التي صدحت بها الحناجر ضد الإقصاء والعنصرية، وآمالهم العراض في سودان الحرية والسلام و العدالة.
وكان الفنانون حضوراً في كامل المشهد وفي كل مراحل الحراك الثوري ابتداءً من لجان الأحياء وحتى أرض الاعتصام بعد أن أوقفوا كل أنشطتهم الإبداعية استجابة لنداء الوطن، وهاهم اليوم يستعدون لجني ثمار الحرية جنباً إلى جنب مع الشعب السوداني فكيف يرى المبدعون سودانهم الجديد وماذا أعدوا من الأفكار للمساهمة في عرس البناء الكبير؟
أمان وحريات
أكد الفنان والموسيقار صلاح ابن البادية أن الثقافة هي التي تقود المجتمع لا السياسة، وقال:" كل الأشياء ستكون سهلة وممكنة في ظل توفر الأمان والحريات وأولها وعلى رأسها الفن، ولفت للاهتمام بالغناء والدراما معاً باعتبارهما مكملين كل للآخر وأشار إلى أهمية التراث الشعبي في المرحلة المقبلة التي قال إنها ستشهد إزدهارا كبيراً في كل ضروب الإبداع، ملوحاً بعودته للتمثيل بعد انقطاع دام لعقود.
وقال ابن البادية الذي قدم فاصلا غنائيا خلال مراسم توقيع وثائق الفترة الانتقالية بقاعة الصداقة : " ننتظر تسمية وزير الثقافة الجديد للجلوس معه لطرح العديد من المبادرات والتصورات لمستقبل الفنون، وللحديث كذلك حول عمل درامي من 30 حلقة يهدف للتعريف بالمفردات والتعابير الشعبية الموغلة في القدم من التراث الشعبي السوداني".
قهر وتجريم
وقال الفنان عمر أحساس لـ "سكاي نيوزعربية " إن الإبداع على اختلاف أشكاله لا ينمو إلا في أحضان الحرية كما أن المبدع شريك أصيل في الحراك الثوري.
وأضاف :" نحن أهل الفن لطالما عانينا من العهد البائد وذقنا صنوفاً من القهر والنفي والتجريم والحرمان من التعبير". مشيراً لعدم إجازة 4 من أعماله الغنائية فقط لتمحورها حول المطالبة بالحريات من بينها عمل بعنوان (المبادئ) من كلمات الشاعر التجاني حاج موسى، مؤكداً على أن الأعمال الفنية الغنائية ظلت تسبق الأحداث وتبشر بها في كل الثورات السودانية.
وكشف إحساس عن عمل من وحي ثورة الشعب يجري إعداده الآن يقول مطلعه (منو الفينا ما اتعلم...من أبريل صادق الميعاد؟).
ملحمة غنائية
وأكملت الفنانة إنصاف فتحي تسجيل عدد من الأغنيات الوطنية التي تحكي واقع الحراك السوداني وتشارك بها من خلال ملحمة مسرحية بطولة الممثلة القديرة سمية عبد اللطيف، وأبدت فتحي لسكاي نيوز تشوقها لأن ترى هذه الأعمال النور مع انطلاقة الدولة المدنية.
وأشارت إلى بصمات الموسيقار الماحي سليمان السحرية في الأعمال موسيقياً ولحنياً، وترنمت فتحي بأحد المقاطع (أنا يا بلد ...عاشقك متيم بك.. بريدك ريد شديد...مالي العروق.. يا يابا يا وطني السمح).
اختطاف المؤسسات
من جانبه، دعا الشاعر الغنائي مختار دفع الله إلى تولي المبدعين إدارة المؤسسات الإبداعية، وأضاف أن قبيلة الآداب والفنون تتوق إلى الدخول في المرحلة المقبلة لتنتعش الآداب والفنون باعتبار أن "أهل مكة أدرى بشعابها".
وشدد على ضرورة عودة المؤسسات الإبداعية التي قال أنها ظلت مختطفة لثلاثة عقود وهي المجلس القومي للآداب والفنون وصندوق رعاية المبدعين والمجلس الاتحادي للمصنفات الأدبية، وأن تعود تحت إدارة المبدعين أنفسهم. وكشف دفع الله عن عمل غنائي جديد يجمعه لأول مرة مع الموسيقار الكبير محمد الأمين مطلعه: (وحلمت بيك غيمة ورذاذ. وخريف موسم بالعشم.. هاطل على الناس العزاز...وحلمت بيك أنا يا بلد.. واحة وملاذ).
عهد جديد
أما الموسيقار العالمي وناشر التراث السوداني عاصم الطيب القرشي فقال لـ "سكاي نيوز عربية": "الموسيقى معطى مهم وسلاح ماض لحث المواطنين على التمسك بكافة أشكال التحضر كحملات دائمة لنظافة المدن والقرى وزراعة الخضروات والفواكه داخل المنازل في كل ربوع البلاد".
ولفت الطيب الى الاهتمام بالطفل كأولى أولويات العهد الجديد، وكشف القرشي عن أغنيات جديده أعدها للأطفال بعنوان (ماشي الروضة)، (يا سلام على الجرجير) كما أشار إلى نجاح عدة مشاريع ومبادرات لإصحاح البيئة والزراعة بالمنازل قادها بعدد من الولايات عبر وسيطي الموسيقى والغناء قال بأنها وجدت تجاوباً كبيراً.