برحيلها، تركت "معبودة الجماهير" المصرية شادية مساحة إبداعية يصعب ملؤها، فمن النادر أن تجمع فنانة بين إتقان الأدوار التمثيلية على اختلافها مع عذوبة الصوت وخفة الظل والروح في آن واحد.
توفيت شادية، الثلاثاء، ليتحول ابتعادها عن الأضواء على مدار العقود الأخيرة بعد اعتزالها، إلى رحيل كامل، إلا أن مئات الأعمال الغنائية السينمائية والتلفزيونية والإذاعية، فضلا عن إسهام مسرحي بسيط، ستحكي لأجيال قصة فنانة شاملة أجادت كل هذه الفنون، وساهمت في نقش الذاكرة الفنية المصرية.
وكانت غزارة إنتاجها طوال مسيرتها الفنية، وراء عدة ألقاب نالتها شادية، فهي "معبودة الجماهير" نسبة إلى فيلمها الشهير الذي جمعها بالراحل عبد الحليم حافظ عام 1967، وهي "دلوعة السينما" حيث اشتهرت بدور الفتاة المدللة، كما أنها "صوت مصر" حين قدمت عددا من الأغاني الوطنية في الستينات، لحن معظمها الراحل بليغ حمدي، ومنها "يا حبيبتي يا مصر"، و"قولوا لعين الشمس".
فاطمة أحمد كمال شاكر الشهير بشادية، كما وصفها وزير الثقافة المصري حلمي النمنم، "صوتا لمصر وللعالم العربي، ودافعت عن قضاياه بصوتها"، كما كانت، حسب بيان نقابة المهن الموسيقية، "صوت مصر الذي ملأ الدنيا واحتضن كل الذكريات وواكب كل المواقف الإنسانية والوطنية".
ورثت شادية، المولودة عام 1931، الفن عن أبيها، الذي كان يهوى العزف على العود ويحب الغناء، مما شجعها على الاشتغال بالفن.
وكانت إطلالتها الأولى على الجمهور في دور ثانوي في فيلم "أزهار وأشواك" عام 1947، قبل أن تشارك في العام نفسه في فيلم "العقل في إجازة" أمام المطرب محمد فوزي، من إخراج حلمي رفلة.
وذاع صيت شادية في أعمال تمثيلية مع عبد الحليم حافظ، مثل "معبودة الجماهير" و"لحن الوفاء"، واشتهرت لهما أغان مشتركة مثل "حاجة غريبة" و"تعالي أقول لك".
أما أكثر ما ميز شادية عن قريناتها، حسب النقاد الفنيين، فهو أنها جمعت بين الغناء والتمثيل ببراعة، إضافة إلى "التنوع الدارمي"، فهي أجادت في كل الأدوار التي أدتها.
ويتجاوز رصيد شادية في السينما 112 فيلما، أبرزها "شيء من الخوف" و"المرأة المجهولة" و"دليلة" و"نحن لا نزرع الشوك" و"أضواء المدينة" و"مراتي مدير عام" و"الزوجة 13"، كما أن لها أفلام مأخوذة عن روايات الأديب الراحل نجيب محفوظ، منها "اللص والكلاب" و"ميرامار" و"زقاق المدق".
ولشادية نحو 650 أغنية متنوعة، الكثير منها عاطفي تضمنته معظم أفلامها، وبعضها وطني وأشهرها "يا حبيبتي يا مصر" من ألحان بليغ حمدي، التي أعيد اكتشافها خلال احتجاجات 25 يناير 2011 في مصر.
وختمت شادية مسيرتها السينمائية عام 1984 بفيلم "لا تسألني من أنا"، بعد تجربتها المسرحية الوحيدة "ريا وسكينة"، وقررت الاعتزال عام 1986 لتبدأ رحلة ابتعادها عن الأضواء، لأنها، حسب مقربين منها، لا تريد أن يراها الناس في صورة العجوز بعدما اقترنت في أذهانهم بصورة الشابة الجميلة.
وخلال السنوات القليلة الماضية، عانت شادية من وعكات صحية، ودخلت في غيبوبة إثر تعرضها لنزيف في الدماغ، حتى فارقت الحياة عن عمر 86 عاما.