أعلن علماء فلك أنهم توصلوا إلى "أهم الاكتشافات" في مجال نشأة الكون، من خلال رصد تموجات في منظومة الزمان-المكان التي نتجت من عملية تمدد الكون الهائلة التي حدثت فور وقوع الانفجار العظيم.
ويمثل هذا الاكتشاف إنجازا يتوج الفتوحات الكبيرة للفكر البشري في فهم كيف نشأ الكون منذ الأزل وتطوره في صورة أعداد لا تحصى من المجرات والنجوم والسدم ومساحات شاسعة في أقطار الفضاء.
وكان العالم ألبرت أينشتاين تنبأ بهذه التموجات في منظومة الزمان-المكان (الزمكان) التي يطلق عليها أيضا موجات الجاذبية قبل نحو قرن.
واعتبر مارك كاميونكوفسكي عالم الفيزياء بجامعة جون هوبكنز، أحد الباحثين في المشروع أن "هذا الاكتشاف يمثل الحلقة المفقودة في علوم الفلك".
يشار إلى أن موجات الجاذبية عبارة عن حركات موجية ضعيفة تنتشر عبر الأجسام بسرعة الضوء وكان العلماء يجدون في البحث عنها منذ عشرات السنين لأنها تمثل الأدلة الغائبة في سياق نظريتين.
النظرية الأولى هي النظرية النسبية العامة لأينشتاين التي فتحت الباب على مصراعيه أمام الأبحاث الحديثة في نشأة الكون وتطوره، التي سعى فيها أينشتاين إلى تعميم مفاهيم نظريته الخاصة إذ أضاف عام 1915 مفهومي التسارع والجاذبية لنظريته الخاصة التي وضعها عام 1905.
وتقول النظرية العامة بأن قوانين الكون واحدة لكل الأجسام بغض النظر عن حالات حركتها وأن الحركة غير المنتظمة (المتسارعة) مثلها مثل الحركة المنتظمة كلتاهما حركة نسبية.
وتقول أيضا إن المادة هي التي تتسبب في انحناء منظومة الزمان-المكان (الزمكان) ويزيد هذا الانحناء بزيادة كثافة المادة في الفضاء وكلما زاد الانحناء أبطأ الزمن من سيره.
كما تركز النظرية على مبدأ التكافؤ أي التعادل بين عزم القصور الذاتي وقوة الجاذبية الأرضية، وعلى أن الضوء يسير في خطوط منحنية حينما يقترب من جرم كوني ذي جاذبية كبيرة.
وقال أينشتاين أيضا إن هذه الانحناءات في الفضاء ليست ثابتة بل إنها تتحرك مثل الماء في بحيرة ما أو على غرار الموجات الزلزالية في القشرة الأرضية.
وقال جامي بوك عالم الفيزياء في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في باسادينا إن موجات الجاذبية "تنتج عنها بالتناوب في الفضاء موجات من التضاغط في اتجاه والتخلخل في اتجاه معاكس"، وفق ما ذكرت وكالة رويترز.
أما النظرية الثانية فهي حديثة نسبيا إذ ظهرت في ثمانينيات القرن الماضي وأطلقت على موجات الجاذبية اسم "التمدد الكوني" وترتكز على فكرة تقول إن الكون نشأ عن الانفجار العظيم وهو عبارة عن انفجار في منظومة الزمان-المكان منذ 13.8 مليار عام.
وتقول هذه النظرية إن الكون تمدد بطريقة لوغاريتمية في نشأته إذ تمدد في الحجم 100 تريليون تريليون مرة، ما أدى إلى تناسق الكون بصورة ملحوظة في أغوار الفضاء كما وجدت نتيجة لذلك تموجات هائلة نجمت عنها موجات الجاذبية.
ورغم أن هذه النظرية لاقت تأييدا عمليا كبيرا إلا أن عدم رصد موجات الجاذبية التي توقعتها النظرية دفع كثيرا من علماء الفلك إلى التحفظ على التسليم بها.
لكن الأمر تغير بعد اكتشاف يوم الاثنين، إذ قال أفي لويب عالم الفيزياء بجامعة هارفارد في بيان: "هذه النتائج ليست مجرد دليل دامغ لا يقبل الشك على تمدد الكون بل إنها تبلغنا أيضا بموعد هذا التمدد ومدى ضخامة العملية".
وترتبط قوة إشارات موجات الجاذبية بمدى شدة تمدد الكون خلال فترة التمدد الوجيزة.
وبلغت القياسات التي أعلنها علماء الفلك، الاثنين، نحو ضعف القياسات التي توقعها الباحثون بالنسبة لموجات الجاذبية ما يوحي بإمكان استنتاج كم كبير من المعلومات عن كيفية حدوث تمدد الكون.
وقد أمكن رصد موجات الجاذبية بالاستعانة بتليسكوب لاسلكي يتميز بقدرته على مسح الفضاء انطلاقا من القطب الجنوبي للأرض وفحص ما يعرف بالموجات الكونية المتناهية الصغر وهي عبارة عن إشعاع ضعيف ينتشر في أرجاء الكون.
ويمثل اكتشاف علماء الفلك في مختبر بيل لابس في نيوجيرسي عام 1964 لهذه الموجات الكونية خير دليل حتى الآن على أن الكون انبثق أصلا من انفجار ذي درجة حرارة عالية للغاية.
وتسبح هذه الموجات في الكون منذ 380 ألف عام عقب الانفجار العظيم.
وستترك الفرق بحثية أخرى من العلماء مهمة التحقق من تفاصيل هذا الاكتشاف بالاستعانة بمجموعة كبيرة من التليسكوبات الأرضية والفضائية.