قد يشهد عام 2024 سباقا محموما بين واشنطن وبكين على استقطاب شركات التكنولوجيا العاملة في تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي، بعد تهديد الأخيرة بالخروج من أوروبا إن أقرَّ الاتحاد الأوروبي تشريعات تراقب عملها وتلزمها بقواعد أخلاقية.
يوضِّح خبراء في تكنولوجيا المعلومات والاقتصاد السياسي لموقع "سكاي نيوز عربية"، كيف سيكون هذا السباق أحد ميادين معارك "الهيمنة العالمية" بين الولايات المتحدة والصين، بجانب السباق في صناعة الرقائق الإلكترونية، وكيف يمكن لأوروبا أن توازن في قوانينها بين قواعد السيطرة على الذكاء الاصطناعي ومنح المستثمرين فرصة الابتكار؛ حتى لا تخسر مكانتها التكنولوجية.
بعد أن وافق البرلمان الأوروبي، في يونيو، على مسوّدة لقواعد تلزم تطبيقات الذكاء الاصطناعي، مثل "تشات جي بي تي" بالإفصاح عن المحتوى الذي تنتجه، رفض 160 مسؤولا تنفيذيا في شركات كبرى، منها "رينو" و"ميتا" في خطاب مفتوح، هذا التشريع، معتبرين أنه قد يدفع الشركات الابتكارية والمستثمرين للخروج من أوروبا.
مخاوف "مبرَّرة".. لكن!
يتّفق خبير تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي، أنس النجداوي، مع مخاوف المستثمرين من أن القوانين قد تحدّ عملية التطوير، لكنه في نفس الوقت يراها ضرورة بسبب أخطاء الذكاء الاصطناعي، ولتحديد "الملام والمسؤول" عن الأخطاء.
لتحقيق التوازن بين الناحية الأخلاقية واستمرار التطوير، يدعو الجداوي لـ"اتفاق عالمي على أخلاقيات لحوكمة الذكاء الاصطناعي، بالتعاون بين شركاته والخبراء المتخصصين، والجامعات والحكومات والمجتمع المدني في وضع التشريعات، على أن تكون مرنة للتكيّف مع تطورات هذه التقنية، وكي لا تهرب الشركات من الاستثمار فيها".
كذلك "يجب تصميم أنظمة الذكاء الاصطناعي بحيث تكون آمنة وأخلاقية، وسهلة التدقيق في آلية عملها".
بدوره، يرى خبير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، سلوم الدحداح، أن القوانين الأوروبية المقترحة تحدّ من التطور التكنولوجي وتهدّد الاستثمار في القارة، لكنه أيضا يتفق في أن "الدول العظمى لا تريد أن تجد يوما الماكينات تتحكّم في حياة البشر؛ ولذا يجب التعاون في وضع تشريعات تحقّق التوازن".
هجرة جماعية
هذا النقاش المحتدم حول عمل توازن بين تطوير الذكاء الاصطناعي والسيطرة عليه أخلاقيا، تمتد آثاره إلى دائرة الصراع الدولي على الهيمنة في العالم بين القوى الكبرى، خاصة الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي.
الباحث في الاقتصاد السياسي، أبو بكر الديب، يوضّح أن الرقابة الشديدة في مشروع القانون الأوروبي يمكن أن تدفع بشركات تتمتّع بحس ابتكاري قوي إلى نقل أنشطتها للخارج، ويرجح أن يشهد عام 2024 هجرة شركات الذكاء الاصطناعي من أوروبا إلى أميركا والصين.
أسواق بديلة
تهيمن الصين حاليا على أكثر من نصف شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة، والتي تبلغ قيمتها نحو مليار دولار أو أكثر، حسب الديب.
تسعى بكين إلى التفوق في تطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ضمن برنامجها "الثورة الصناعية الرابعة" للحاق بواشنطن في هذا المجال وفي مجال الرقائق الإلكترونية.
يرى الديب أنه رغم تربع الولايات المتحدة على عرش الذكاء الاصطناعي باستثمارات أضعاف مثيلتها في الصين، بلغت 26.6 مليار دولار، مقارنة باستثمار 4 مليارات دولار فقط في الصين، فإن بكين مصممة على احتلال مكانة متقدّمة، يساعدها في ذلك امتلاكها قطاع إنترنت قوي، وسوقا استهلاكية هي الأكبر في العالم.
على هذا، يتوقع أن تكون هجرة شركات التكنولوجيا إلى الولايات المتحدة والصين، خاصة أن ما يهدّد بتأخّر أوروبا في مجال الذكاء الاصطناعي ضَعف الحوافز الضريبية بها للأبحاث، وعدم التوسّع في معاهد البحوث التي تعمل على هذا المجال.
تأتي الولايات المتحدة في قائمة الدول المهتمّة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، تليها الصين، ثم الاتحاد الأوروبي؛ ما يعني أن استقطاب شركات التكنولوجيا التي قد تهرب من أوروبا سيكون "حلقة جديدة من مسلسل الصراع التكنولوجي بين واشنطن وبكين"، بتعبير الباحث في الاقتصاد السياسي.