في المركز الأوروبي للأبحاث النووية "سيرن"، يجري باحثون من شتى أنحاء العالم تجارب تفيد البشرية في مجالات مختلفة من العلوم. التجربة الأساسية هناك تحاكي نشأة الكون وتطوره.
يقع سيرن في مدينة جنيف السويسرية، ومساحة هذا المركز تمتد ما بين فرنسا وسويسرا، ويحتوي على ما يسمى بــ"المُصادم الهدروني الكبير" الذي يبلغ محيطه 27 كيلومترا، وهو فريد من نوعه على مستوى العالم.
عدد كبير من الباحثين العرب يشاركون في سيرن، ومنهم الدكتورة شيماء أبو زيد، التي تعمل كباحثة في مرحلة ما بعد الدكتوراه في الهيئة الوطنية للفيزياء النووية بإيطاليا.
رحلة شيماء العلمية
توضح الدكتورة شيماء لموقع "سكاي نيوز عربية" كيفية التحاقها بالعمل في هذا المركز، فتقول : "تخصصت في دراسة العلوم الفيزيائية بكلية البنات بجامعة عين شمس، ثم حصلت منها على الماجستير في الفيزياء النووية التجريبية، وبعد ذلك، تخصصت بدراسة التفاعلات النووية المستخدمة في إنتاج النظائر المشعة المستخدمة طبيا في تشخيص بعض الأورام".
وأضافت: "حصلت على منحة لدراسة الدكتوراه بالجامعة الحرة في بروكسل لدراسة الجسيمات الأولية في سيرن على المصادم الهدروني الكبير، ومنها استطعت الحصول على درجة دكتوراه مزدوجة من الجامعة الحرة ببروكسل وكلية البنات جامعة عين شمس في الوقت نفسه، ومن حينها تعمل بأحد التجارب الأساسية بسيرن تسمى تجربة الملف اللولبي الميوني المدمج (CMS) ".
أهمية التجارب
وحول أهمية التجارب التي يجريها العلماء في سيرن أوضحت شيماء:
• الهدف الأساسي دراسة نشأة الكون قبل وجود الكائنات الحية، فالكون عندما خلق كان على شكل جسيمات أولية ذات حرارة مرتفعة وطاقتها عالية جدا.
• الانفجار العظيم وقع منذ حوالى 14 بليون سنة، وكل ما يعرفه العلم حتى وقتنا الحالي لا يزيد عن 4.5 % منه، والباقي نطلق عليه اسم المادة المظلمة والطاقة المظلمة، لأننا لا نعرف عنهما شيئا.
• عند حدوث الانفجار كان الكون في حالة متزنة، وبه قدر من المادة وما تسمى بالمادة المضادة، ونحن الآن نعيش في المادة ونريد أن نعرف أين وكيف ذهبت المادة المضادة.
• ما نقوم به في المصادم الهدروني الكبير هو عملية صدم البروتونات ببعضها بطاقة 13.6 تيرا إليكترون فولت بهدف تكسير البروتونات، لإرجاعها إلى الحالة التي كانت عليها المادة بعد خلق الكون بثوان ودقائق معدودة.
• كل مادة تتكون من ذرات بداخلها نواة تحتوي على بروتونات ونيترونات، والبروتونات مكونة من الكواركات.
• البروتونات عندما يتم تسكيرها تتحول إلى جسيمات أصغر هي الكوارك، والبروتون الواحد يتكون من ثلاثة كواركات، والكوارك هو الوحدة الأساسية التي بني عليها الكون، وكل شيء مكون من كوارك مثل الخلايا أو الأخشاب أو غيرها.
• عندما نقوم بتكسير البروتونات نحتاج لكاميرات عالية الدقة لرؤية هذه المواد عن قرب، هذه الكاميرات تسمى الكواشف الإشعاعية أو كواشف الجسيمات النووية.
• الكواشف الإشعاعية لها أنواع عديدة، ونحن نستخدم جميع انواعها لدقة رصد مسار الجسيمات الناتجة من تصادم البرتونات.
• يتم تصنيع الكواشف واختبارها قبل تركيبها بالتجربة للتأكد من أنها تستطيع تحمل الظروف التي تجرى فيها التجربة، في ظل ووجود جسيمات واشعاع ذوي طاقة عالية جدا في المكان وجسيمات كثيرة للغاية نحتاج لرصدها.
• بهذه التجربة نقوم بمحاكاة الانفجار الذي وقع عند نشأة الكون، والكواشف ترصد سلوك الجسيمات، حيث تتفاعل مع مادة الكواشف وتنتج إشارات كهربائية تتم قراءتها عن طريق حواسب آلية هي الأكثر تطورا في العالم.
• من خلال هذه التجربة نفهم كيف نشأ الكون وتطور، وهو ما يفيدنا في فهم مساره بعد ذلك والإجابة عن أسئلة يعجز العلم عن حلها في الوقت الحالي.
• فهم كيف يسير الكون يساعدنا على استغلاله وتسخيره لخدمة البشرية، فمثلا عند اكتشاف الإشعاع النووي كان ينظر له على أنه شيء ضار ثم استطاع العلم استغلاله في تشخيص الأمراض وعلاج الأورام.
دور شيماء في هذه التجارب
وعن دورها في تجارب "سيرن"، توضح الباحثة المصرية: "أهتم بدراسة أحد الظواهر الفيزيائية النادرة الخاصة بكوارك القمة، وفي الجانب التقني أعمل ضمن فريق يعمل على تجميع واختبار أحد الكواشف الاشعاعية الغازية يسمى "GEM"، ومن ثم تركيبه وتشغيله داخل تجربة "CMS" .
وقالت إن الـ "GEM": "يستخدم للكشف عن جسيم "الميون"، وهو أحد اهم نواتج تصادم البروتونات".
وأضافت أن "الميونات جسيمات موجودة أيضا في الطبيعة (المصدر الطبيعي لها الفضاء الخارجي) وقد استخدمت أخيرا في المسح الميوني للهرم الأكبر لأنها موجودة في الطبيعة ولا تؤثر على حالة الآثار".
يشار إلى أن علماء الفيزياء المنوطة بهم مهمة مراقبة البيانات المستقاة من تجربة "مُصادِم الهادرونات الكبير"، قد توصلوا في 2022 لاكتشاف ثلاثة جسيمات نووية فائقة الصغر.
الجسيمات الثلاثة وصفت بأنها غرائبية، أي أنها لم تكن معروفة سابقا ما يعني أنها تشكل إضافة إلى قائمة متزايدة من الجسيمات المتناهية الصغر التي تتشكّل منها الذرات، وبالتالي مجمل المادة المعروفة في الكون.
ويأمل العلماء أن يعطي مصادم الهادرونات الكبير نتائج عن المادة المظلمة التي ينادي بتواجدها علماء الفلك لتفسير حركة المجرات، ولكنها لم تكتشف بعد.